التطبيع السعودي الإسرائيلي لم يخرج من الخزانة بعد: لاتزال العلاقات بين القدس والرياض تحت السطح، ولا تزال الكتب المدرسية في السعودية تصوير “دولة إسرائيل” المزعومة على أنها عدو صهيوني، وأن اليهود كالقردة.
التطبيع السعودي الإسرائيلي
هناك مثل فكاهى مشهور يسأل :كيف يحتضن القنفذان بعضهما البعض؟ والإجابة: ببطء وحذر. بالفعل يصف هذا المثل بشكل جيد العلاقة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية . حتى بعد التطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة؛ فإن العلاقة مع العائله السعوديه المالكة لم تخرج بعد من الخزانة.
نشرت صحيفة “إسرائيل اليوم” الإسرائيلية أنه من المتوقع أن يحضر ممثل سعودى فى حفل التطبيع بين دولة الإمارات وإسرائيل، والذى سيعقد فى البيت الابيض في غضون أسابيع قليلة. بخلاف دولة البحرين وعمان. وأثناء ذلك تظل المملكه العربيه السعوديه صامته وتمتنع عن الترحيب العلني بهذه الخطوة .
وبحسب الصحيفة العبرية صرح جاريد كوشنر صهر ومستشار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أنه على الرغم من تصريحه لشبكة NBC أن: “التطبيع بين إسرائيل والسعودية أمر حتمى ولا مفر منه، لكن الرياض على الاقل فى هذه المرحلة لا تزال تفضل أن ترقص رقصة التانغو مع إسرائيل بعيدًا عن دائرة الضوء. وعلى حد تعبير كوشنر:”لا يمكن تغيير اتجاه السفينة بين عشية وضحاها”.
وأشارت الصحيفة أن السعودية بوصفها مركزًا للدين الإسلامي، حيث تتمتع بمكانتها كحامية لأقدس مكانين بالنسبة للعالم الإسلامي، وهما (مكة والمدينة). والتى لا تزال ملتزمة رسميًا بالمذهب “الوهابي”. فحتى تلك الخطوات الصغيرة هى خطوات كبيرة، فلا تزال المدارس في المملكة لا تذكر إسرائيل بالاسم، وإنما تذكرها فقط “بالعدو الصهيونى” ولا يزال تصوير اليهود على انهم قردة، ويتحدث الإعلام عن أن إسرائيل تتآمر لتدمير المسجد الأقصى.
وفي إشارة إلى بداية تغير النظرة إلأى إسرائيل في المملكة، أشارت الصحيفة العبرية إلى أن هناك مسلسل تم عرضه على التلفزيون السعودى فى أبريل الماضى، وهو مسلسل “مخرج 7″، وقد عرض صورة مختلفة تماما لإسرائيل، فهو يوضح حجم الاضطرابات. فهو يظهر أن إصلاحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عميقة الجذور وستحدث تغيير.
فقد وصفت إحدى حلقات المسلسل حقيقة قد تبدو خيالية : وهو اكتشاف والد الأسرة الذي تم التعامل معه في حبكه القصه ان ابنه زياد فجاءه يلعب مع صبى إسرائيلي على الإنترنت ويدعى عزرا، الأب فى حالة ذهول ،ويؤدى دوره ناصر القصبى أحد كبار الممثلين السعوديين، الذي يوبخ ابنه ويأمره بقطع العلاقة على الفور مع الطفل الإسرائيلى. وهنا تتدخل الأم وتطمئنه :انت تبالغ. وفي محنته يلجأ الأب المحافظ الى جد زياد الذي يفاجئه بقوله: الاسرائيليين بشر مثلك .مضيفا ان دولة اسرائيل موجودة شئت أم أبيت.
وإذا لم يكن ذلك كافيا كما يخاطب الجد الأب بشأن القضية الفلسطينية، وكما يقول ايضا ان هذه القضية التي ابتُلى بها العرب كل هذه السنوات، ولا يزال الأب يحاول توضيح أن إسرائيل المزعومة ستختفى عاجلا أم اجلاً من الخريطة. لكن الجد متردد، وفي النهاية تسقط الدول العربية الواحدة تلو الأخرى، وإسرائيل المزعومة لا تزال في مكانها.
يقول المستشرق بنحاس عنبارى إن هذه النصوص التلفزيونية، التي لم تكن تتجاوز مصفاة الرقابة من قبل في السعودية تمثل في السنوات الأخيرة مجرد رغوة على الماء. وأضاف ايضا انه تم الغاء الحظر المفروض على دخول المسيحيين واليهود إلى المملكة.
ووفقا لما قاله بنحاس عنباري الباحث في شؤون الشرق الأوسط والعالم الفلسطينى للصحيفة العبرية، أن الواقع يتغير الآن، فقد استضاف الأمير بن سلمان بالفعل “رجل دين ماروني”، من لبنان و كان يرتدي عقدا مع صليب ذهب كبير وقد تم تصويره وهو بجانبه. وحتى ان بن سلمان استضافه في الرياض قبل بضعة أشهر نيابة عن مؤتمر الرؤساء اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن يصل في نفس الوقت الى إسرائيل لعقد اجتماعات مع نتنياهو وريفلين.
زيارة الشيخ السعودي محمد العيسى لـ “معسكر أوشفيتز”
وأضافت، كما أن الزيارة التي قام بها الشيخ السعودي محمد العيسى إلى “معسكر أوشفيتز” في يناير الماضي، إلى جانب وفد من رجال الدين المسلمين واليهود، كانت أيضا علامة على التغيير. وتُظهر الصور من الزيارة أن الشيخ – رئيس رابطة العالم الإسلامي، ومساعد بن سلمان ووزير العدل السابق في المملكة – يحتضن أعضاء الوفد اليهودي ويوضح أنه لن يتدخل أبدًا في إنكار المحرقة ( الهولوكوست).
للمزيد إقرأ أيضًا:
- بولتون في كتابه: ترامب كان ينوي دعم الهجوم الاسرائيلي على إيران.
- الحلقة الأولى من المسلسل الإسرائيلي “شتيزل” مترجمة إلى العربية
- خروج بني إسرائيل من مصر
وكانت زيارة عيسى إلى أوشفيتز تنضم إلى زيارته الأخرى قبل حوالي ثلاث سنوات إلى الأكاديمية الدبلوماسية الدولية في باريس، وتحدث عيسى هناك عن “الإساءة” للإسلام من قبل أولئك الذين يحاولون تبرير الإرهاب والنشاط السياسي المتطرف.
زيارة عبد الحميد الحكيم إسرائيل
وعيسى ليس وحده فإن المفكر السعودي عبد الحميد الحكيم الذي ادار مركز الشرق الاوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية حتى عام 2018، والذي زار إسرائيل في عام 2016، واشاد علنا بالمجتمع الإسرائيلي، وأنه يحترم عاصمته المقدسة وثقافة وحرية العبادة فيها. وفي مناسبة أخرى قال إن القدس مدينة مقدسة لليهود ولهم حق تاريخي فيها.
روح التغير السعودي تجاه إسرائيل
وروح التغيير لـ التطبيع السعودي الإسرائيلي لم تتجسد فقط في العديد من التصريحات والمسلسلات التلفزيونية، ولكن ظهرت ايضا في بعض الأعمال، فقبل ثلاث سنوات سمحت المملكه العربيه السعوديه رحلات طيران الهند بالمرور عبر مجالها الجوي في خطوة قلصت مدة الرحلات الجوية من إسرائيل إلى الهند الى خمس ساعات، بدلا من سبع ساعات. والآن، بعد اتفاقية التطبيع مع الإمارات سوف تسمح المملكة العربية السعودية ايضا للرحلات الجوية بينها وبين اسرائيل بالمرور عبر أراضيها. البضائع الإسرائيلية ومنها الزراعيه تصل بالفعل إلى دول الخليج عبر تركيا والأردن.
وبحسب المنشورات الأجنبية فإن شركات الانترنت والتكنولوجيا الإسرائيلية المسجلة في الخارج تعمل في السوق السعودية من تحت السطح، وهناك ايضا تعاون عسكري واستخباراتي بين الدولتين ( حسب المنشورات الأجنبية).
اعتقال نشطاء حماس
ومن الثمار العامة للتعاون الأمني بحسب وصف الصحيفة العبرية، وهو ما لا يخفيه السعوديون انفسهم وهو اعتقال 70 من نشطاء حماس في السعودية قبل بضعة أشهر. وفي المحاكمة العلنية ضدهم، تم اتهامهم بجمع الأموال وغسيلها لصالح حماس، والتي تم توجيهها في النهاية إلى أنشطة إرهابية ضد إسرائيل. وبحسب الاشتباه، فقد تم تحويل الأموال المحصلة إلى تركيا ومنها إلى قطاع غزة. وبحسب ما صرحت به “يوني بن مناحم”؛ الباحثة في مركز القدس للشؤون العامة وشؤون الدولة أن وراء العمليات السعودية ضد حماس الولايات المتحدة وإسرائيل اللتان زودتا السعودية بمعلومات استخبارية في هذا الشأن.
ربما يكون اعتقال ومحاكمة أعضاء حماس في السعودية هو التعبير العلني عن الاضطرابات التي مر بها السعوديون فيما يتعلق بالإرهاب بشكل عام وحماس بشكل خاص. ففي نهاية القرن الماضي كان “التنظيم الإرهابي” بحسب وصف الصحيفة العبرية، لا يزال له مكاتب في الرياض، حيث استضاف الملك فهد الشيخ “أحمد ياسين” وسمح له بجمع أموال في المملكة لحركته.
كيف ومتى يحدث التطبيع السعودي الإسرائيلي؟
كيف ومتى تصبح العلاقات بين السعودية واسرائيل رسمية؟ أشارت الصحيفة إلى أن بنحاس عنبارى يقلل من التوقعات، فهو يعرّف الوهابيين السعوديين بأنهم متشددون، “فما زالوا يرون أمام أعينهم أن القرن السابع هو القرن المثالي الذي يجب أن يعود الإسلام إليه، ومنها طرد اليهود، هذه هي الرواية الدينية التي لا تزال تحكم المملكة العربية السعودية “.
التطبيع السعودي سوف يستغرق بعض الوقت
وأضاف بنحاس قائلاً: “لكن بن سلمان يُضعف تدريجياً رجال الدين الوهابيين. وذلك لا يحدث بسرعة وقد انتهى ، فى ثورة دراماتيكية، ولكن عملية مثل: بعض حقوق المرأة، وبعض التعليم المشترك فى المدارس، السماح للمرأة أن تمشي بمفردها في الشارع دون أن يرافقها رجل، المسيحيون يأتون بالفعل إلى المملكة العربية السعودية اليوم ويستثمرون فيها. الكحول غير مسموح به بعد، لكن هذا سيتغير أيضًا. وفي نهاية الأمر سيأتي دور تطبيع العلاقات بين الإسلام الوهابي واليهودية وإسرائيل، لكن الأمر سيستغرق وقتًا.
ويوصى عنبارى: “لا تنفد صبرك ولا تصبر”. يجب أن يعلم الجمهور أن السعودية شريك كامل وهي وراء كل التحركات في الخليج. فلم يتم عمل أي شيء مخالف لرأيها- بما في ذلك تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل. فكوشنر وبن سلمان صديقان حميمان. كل شيء منسق. على بن سلمان أولاً استكمال بعض الإصلاحات المدنية داخل المملكة العربية السعودية. “حتى تكون العلاقات مع إسرائيل طبيعية أكثر”.
واضاف ان في الواقع، يبدو أحيانًا أن إسرائيل تسير على الطريق الصحيح. وهذا لم يعجب السعوديون، فعلى سبيل المثال تم نشر قرار فى فبراير الماضى والذي بموجبه وقع وزير الداخلية أفيخاى أدرعى على أمر يسمح لرجال الأعمال الإسرائيليين بزيارة السعودية.
كما تم التعبير عن الاستياء من طاحونة الشائعات المتعلقة بهذا التطبيع السعودي الإسرائيلي التي كانت تنتشر في ذلك الوقت، والتي رددت أن نتنياهو وبن سلمان سوف يلتقيان على متن سفينة أمريكية في وسط البحر. كان الهدف من الاجتماع المعني، الذي لم يتم عقده، تكرار الحاجة إلى التعاون الاستراتيجي مع إيران. ومن ناحية أخرى، تتم الاجتماعات السرية بشكل أساسي على المستوى الأمني.
قلق نووى
ومن نتائج التعاون الأمني، الذي يحدث بحسب المنشورات الأجنبية بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، هى محاولة السعودية الاندماج في النادي النووي، وإسرائيل قلقة من هذا التطور. ففي وقت مبكر من عام 2018، صرح بن سلمان أنه إذا طورت إيران الأسلحة النووية، فإن المملكة العربية السعودية سوف تبني مفاعلًا بحثيًا صغيرًا بمساعدة الأرجنتين منذ عدة سنوات، لا يمكن استخلاص البلوتونيوم منه لصنع قنبلة، لكن اتضح أن هذه مجرد البداية.
تم إضافة بعض القلق لإسرائيل في الأشهر الأخيرة بسبب مساعدة السعوديين في الصين على تطوير القدرة النووية. وقد ذكرت مجلة وول ستريت جورنال منذ حوالي أسبوعين ان منشأة بمساعدة صينية تعمل بالفعل في المملكة العربية السعودية، وكانت وظيفتها معالجة اليورانيوم كيميائيًا كجزء من عملية التخصيب.
إذا أضفت إلى هذه المعلومات رفض السعودية التعهد للولايات المتحدة بالامتناع عن إنشاء منشآت تخصيب اليورانيوم، وكذلك التصريحات السابقة المشتركة للصين والمملكة العربية السعودية بشأن المشاريع النووية المدنية المشتركة، يتفهم المرء سبب قلق إسرائيل، ولم تطالب لجنة المخابرات مجلس النواب الأمريكي بتقديم تقرير موجز عن التحركات السعودية في الملف النووي إلا مؤخرًا ، ولم تعجب إدارة ترامب هذا الطلب، وتحاول إدارة الملف النووي مع السعودية بهدوء، بعيدًا عن وسائل الإعلام، وعدم إزعاج بن سلمان، إنه بحاجة إلى مصلحته – سواء لدفع خطة القرن أو التطبيع بين إسرائيل والدول العربية الأخرى، أو في “النضال” ضد إيران.
وفى أثناء ذلك، يحاول كوشنر إقناع المملكة العربية السعودية بإصدار بيان لدعم إتفاقيات التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، لكن السعوديين يفضلون التزام الصمت، فيما يخص التطبيع السعودي الإسرائيلي.
فقد ظلوا صامتين حتى عندما نشر يسرائيل كاتس، وزير المالية الحالى ووزير النقل الإسرائيلي، قبل بضع سنوات رؤيته لربط إقليمي جديد بالأرض من شأنه أن يغير وجه الشرق الأوسط. وبحسب تلك الرؤية الربط بين ميناء حيفا وميناء الدمام السعودي على ساحل الخليج العربي، وإحياء أجزاء من سكة حديد الحجاز، التي كان فرعها متصل حتى عام 1946 بين مصنع على ضفاف بحيرة طبريا ومدينة درعا السورية. في نموذج السكك الحديدية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والذي لا يزال كوشنر يتحدث فيه إلى السعوديين، قد لا تكون سوريا في الصورة، لكن المملكة العربية السعودية قوية من الداخل. لكن في هذه الأثناء، كما ذكرنا، ذلك يحدث بهدوء، بدون احتفالات، بدون اتفاقيات رسمية، وبعيد عن الأضواء، وفقًا لما جاء في الصحيفة العبرية.