في مقالنا السابق بعنوان “دوله فلسطينية في سيناء: حل أصيل مع ريفييرا أم أحلام صحراوية؟”، عرضنا تحليل مقال يزهار بئير في صحيفة هآرتس حول فكرة إقامة دولة فلسطينية في أجزاء من شبه جزيرة سيناء المصرية كحل مقترح للتوصل إلى تسوية سياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يخدم مصالح إسرائيل ويتجاهل الحقوق الفلسطينية في الأرض.
تتجلى هذه الفكرة في إمكانية توسيع مساحة غزة عبر ضم أراضٍ من سيناء إلى القطاع الفلسطيني المكتظ بالسكان. وفي السطور الآتية نستعرض بقية المقال والذي يعبر عن رأي كاتبه الإسرائيلي، وليس عن رأي الموقع بكل تأكيد.
من خلال الحوار الذي دار بين القادة الإسرائيليين في المقال العبري، كانت هناك مقترحات تتطرق إلى أهمية المنطقة “C” في الضفة الغربية وأهمية الاحتفاظ بها في يد إسرائيل لاعتبارات أمنية، مثل التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة. لكن في المقابل، يتحدث المقال عن إمكانية تقسيم القدس وتسليم الأحياء الشرقية للمدينة للفلسطينيين لتكون عاصمة لدولتهم المستقبلية، مما يعكس تعقيدات أعمق في مسألة القدس ووضعها الدولي والديني.
مصر كلاعب محوري؟
يشير كاتب المقال يزهار بئير كيف يمكن لمصر أن تلعب دورًا مركزيًا في حل الصراع، ليس فقط عبر منح الفلسطينيين مساحة من سيناء، ولكن أيضًا عبر الاستفادة من الدعم الدولي والتكنولوجي لتحويل هذه الأرض إلى منطقة زراعية ومزدهرة اقتصاديًا. يرى البعض أن هذه الفكرة قد تمنح مصر يوكرا سياسيًا، خصوصًا في ظل الأزمات الداخلية التي تواجهها. نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي يسعى بشدة لتعزيز مكانته الإقليمية، وأي مبادرة قد تقوي صورته كرجل دولة حاسم قادر على تحقيق استقرار إقليمي قد تُرحب بها.
اقرأ أيضا:
- الحلقة الثالثة من المسلسل الاسرائيلي ساعة الاغلاق| שעת נעילה 3
- جيروزاليم بوست| كيف تحول حسن نصر الله من العدو المفضل لإسرائيل إلى رجل ميت
- النمرود في العهد القديم| أسطورة أم شخصية تاريخية؟
سؤال حول الحكم الذاتي والسيادة
لكن لا يمكننا تجاهل أن الحديث عن دور مصر في سيناء يطرح أسئلة حول السيادة الفلسطينية الحقيقية. فهل ستكون الدولة الفلسطينية المقامة في سيناء تحت سيطرة الفلسطينيين بالفعل أم ستكون مجرد كيان هش يعتمد على إسرائيل ومصر؟ بالإضافة إلى ذلك، هل سيتقبل الفلسطينيون في غزة، الذين يرزحون تحت حكم حماس، هذا الحل دون مقاومة أو اعتراض؟
يظهر المقال أيضًا مخاوف حول تأثير حماس والجماعات الإسلامية الراديكالية في غزة من أي حل سياسي محتمل. فبينما يشير الحوار إلى أن الفلسطينيين لم يرغبوا أصلاً في حكم ديني متطرف، إلا أن الواقع الحالي يعكس تمسك بعض الأطراف بقوة السلاح. وبالتالي، فإن هذه التحديات تعكس مدى تعقيد أي محاولة للتوصل إلى اتفاق سلام شامل ودائم.
الاستنتاج: هل يمكن لفلسطين أن تزدهر في سيناء؟
إن طرح فكرة الدولة الفلسطينية في سيناء ليس جديدًا، ولكنه يظهر الآن في سياقات جديدة تحمل وعودًا وأحلامًا اقتصادية مع مخاوف سياسية وأمنية كبيرة. يُطرح السؤال الأكبر حول مدى واقعية هذا الحل في ظل تعقيدات الواقع الجيوسياسي في المنطقة.
في النهاية، يبقى مستقبل الدولة الفلسطينية مرهونًا بإرادة القوى الكبرى في المنطقة والعالم، والقدرة على التوصل إلى حلول وسط تلبي احتياجات الشعوب في أمنها وازدهارها. إن استغلال التكنولوجيا والموارد الدولية لتحويل سيناء إلى جنة زراعية قد يبدو براقًا على الورق، لكنه سيظل حلمًا ما لم يتم التوصل إلى توافق إقليمي ودولي شامل.
دوله فلسطينية في سيناء | بين الواقع والتوقعات الدولية
كما ناقشنا في المقال السابق بعنوان “دولة فلسطينية في سيناء: حل أصيل مع ريفييرا أم أحلام صحراوية؟”، ظهرت فكرة إقامة دولة فلسطينية في أجزاء من سيناء كحل إسرائيلي يمكن أن يسهم من وجهة النظر الإسرائيلية في إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر. إلا أن هذه الفكرة لا تزال تواجه العديد من التحديات، سواء على الجانب المصري أو الفلسطيني.
أوضح اللواء (بالمعاش) جيورا أيلاند، وهو أحد أبرز الداعمين لفكرة التوسع الفلسطيني في سيناء، أن الاتفاق الذي يشمل هذا الحل يمكن أن يُنهي صراعًا دام لمئة عام بين إسرائيل والدول العربية. ووفقًا لأيلاند، فإن هذه الخطة لم تُحقق النجاح المنشود في العقد الماضي، ليس بسبب عيوب في الفكرة نفسها، بل نتيجة للتوقيت الخاطئ وعدم القدرة على تسويق الخطة بشكل صحيح في المحافل الدولية.
الربح المصري المحتمل؟
يشير أيلاند إلى أن مصر قد تكون المستفيدة الكبرى من هذه الخطة، وذلك عبر إعادة بناء مكانتها الدولية التي فقدتها منذ عام 1967. يعتقد أيلاند أن أي اتفاق كهذا سيجعل مصر تلعب دورًا محوريًا في تحقيق السلام الإقليمي، مما قد يُعيدها إلى موقع الريادة على الساحة العالمية، وربما يؤدي إلى منح الرئيس المصري جائزة نوبل للسلام. ولكن، هل من مؤشرات فعلية من الجانب المصري على إمكانية قبول مثل هذا الحل؟
أيلاند يؤكد أن التوصل إلى اتفاق يضمن التوسع الفلسطيني في سيناء يعتمد بشكل أساسي على الإرادة السياسية المصرية. ورغم أن مصر قد تكون المستفيدة اقتصاديًا ودبلوماسيًا من الخطة، إلا أن هناك عقبات كبيرة تحول دون تنفيذها. فقد أبدى الرئيس المصري السابق حسني مبارك رفضًا قاطعًا لهذه الفكرة، ووفقًا للخبير الفلسطيني الإسرائيلي شاؤول أريئيلي، لا تزال المعارضة المصرية قائمة حتى الآن، خصوصًا فيما يتعلق بتغيير الحدود الدولية.
المعارضة الفلسطينية: القضية الوطنية
على الجانب الآخر، يرى الفلسطينيون أن اقتراح نقل سكانهم إلى أراضٍ في سيناء هو انتقاص من هويتهم الوطنية. فهم يعتبرون أن دولتهم المستقبلية يجب أن تكون في فلسطين التاريخية، وليس في مناطق نائية مثل صحراء سيناء. أريئيلي يصف هذه الفكرة بأنها غير قابلة للتنفيذ لأنها ستؤدي إلى خسارة الفلسطينيين للأراضي الخصبة في الضفة الغربية مقابل أراضٍ صحراوية غير صالحة للزراعة. إضافةً إلى ذلك، يرى الفلسطينيون أن الخطة ستتطلب نقل عدد كبير من السكان، وهو ما يعتبرونه أمرًا غير مقبول.
التحدي المصري: تغيير الحدود الدولية
كما يشير أريئيلي، فإن السبب الأساسي الذي يجعل هذا الحل غير قابل للتطبيق هو الموقف المصري الراسخ ضد أي تغييرات في الحدود الدولية. رغم أن مصر قد تواجه تحديات اقتصادية قد تدفعها لإعادة النظر في سياساتها، إلا أن المسألة تتعلق بالسيادة الوطنية والهوية، وهي أمور تُعد حساسة للغاية بالنسبة لأي دولة.
الخلاصة| التحديات والفرص
بينما تبدو فكرة التوسع الفلسطيني في سيناء جذابة من الناحية النظرية للجانب الإسرائيلي، خصوصًا فيما يتعلق بإمكانية تحسين الأوضاع الاقتصادية لكل من مصر وغزة، إلا أن العقبات السياسية والثقافية تجعل من الصعب تحقيق هذا الحل على أرض الواقع. سواء كان ذلك بسبب المعارضة الفلسطينية أو التحفظات المصرية، تبقى هذه الفكرة بعيدة عن التحقق في الوقت الحالي.
إذا استمر الوضع كما هو، فستظل فلسطين في سيناء فكرة تحوم في آفاق النقاشات السياسية دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ.
لقد كانت فكرة إقامة دولة فلسطينية في سيناء واحدة من الأفكار المثيرة للجدل منذ طرحها لأول مرة، سواء من قبل بعض الأكاديميين أو المسؤولين السياسيين الإسرائيليين. ومع ذلك، كانت ردود الأفعال على هذا الاقتراح دائمًا مليئة بالتحفظات. كما يظهر من الحديث مع النائب أحمد طيبي، الذي يرتبط بعلاقات قوية مع صناع القرار في كل من إسرائيل، السلطة الفلسطينية، ومصر، فإن هذه الفكرة لا تلقى دعمًا جديًا من الأطراف المعنية.
أحمد طيبي أبدى عدم الجدية تجاه هذه الفكرة، حيث عبّر عن استغرابه الواضح من احتمال قبول الفلسطينيين أو المصريين لفكرة التخلي عن أراضٍ من سيناء لصالح حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. فهذه الأراضي، بالنسبة لمصر، تعتبر جزءًا من سيادتها الوطنية، والتخلي عن أي جزء منها يعني المساس بجوهر الاستقلال والسيادة. الأمر ذاته ينطبق على الفلسطينيين الذين يعتبرون أن هويتهم الوطنية مرتبطة بالأراضي الفلسطينية التاريخية، وليس بأراضٍ بديلة في صحراء سيناء.
التحديات الرئيسية أمام الحلول البديلة
من الواضح أن النقاش حول إيجاد حل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني يواجه تحديات أساسية سواء كان الحديث يدور عن حل الدولتين أو حلول بديلة مثل فكرة الدولة الفلسطينية في سيناء. فالحلول البديلة تبدو غير واقعية في ظل غياب شركاء فلسطينيين، مصريين أو عرب آخرين يمكنهم قبول هذه المقترحات.
كما أشار المحلل شاؤول أريئيلي في حديثه، فإن الحل القائم على توسيع قطاع غزة باتجاه سيناء يفتقر إلى الشركاء الأساسيين، سواء من الجانب الفلسطيني أو العربي. وأكد أن الحل البديل لا يتمتع بأي دعم دولي أو إقليمي، في حين أن حل الدولتين يتمتع بدعم دولي واسع ومرجعيات قوية تمتد من قرارات الأمم المتحدة إلى المبادرات الدولية المتتالية.
الواقع على الأرض ومستقبل الحلول الممكنة
من جهة أخرى، تطرق النقاش إلى التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، والذي يعتبره الكثيرون عاملًا مهددًا لحل الدولتين. إن بناء المستوطنات العشوائية والشرعية على حد سواء يعزز السيطرة الإسرائيلية على أراضٍ من المفترض أن تشكل جزءًا من الدولة الفلسطينية المستقبلية، مما يعرقل تنفيذ الحل. ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن تأثير هذه المستوطنات على الحل الديموغرافي والجغرافي ليس كبيرًا بقدر ما يصوره البعض، لأن معظمها صغير الحجم من حيث السكان.
في النهاية، سواء كان الحديث عن حل الدولتين أو الحلول البديلة، يظل الوضع على الأرض معقدًا وشائكًا.