كاتب الكلمات شاب مصرى على شفا حفرتين: الإنتحار أو الجنون, وحينما خيرت بينهما اخترت بالطبع أن أكون مجنونا!..لذا ..وجدتني على الفور أقوم بخط هذه السطور إلى من يهمه الأمر, بعدما توضأت ودعوت الله مبتهلاً أن يبيد جميع محاصيل الكوسة المصرية!!.. وإليكم مأساتى اللاهية:
فبعدما زاد التاتج المحلى من الكوسة عن المعدلات الطبيعية أمرتنى نفسى وإن النفس لأمارةٌ بالسوء بأن أتذوق الكوسة لأول مرة!.. والكوسة المزعومة ليست هى الكوسة “العبيطة” التى يتناولها الغنى والفقير.. الحقير والأصيل..ولكنها كوسة “خارقة” ذكرت فى النوادر والاساطير!!.. وأشهر هذه الأساطير ما ذكر فى كتاب “علم التكويس لإبن الرخيص” بأنها كانت إحدى الألهة المقدسة عن القدماء –رحمهم الله-!!..وكانوا يسمونها “كوسة يا أم منقرع”!.. وهى إله التوظيف والتعيين من يتقرب إليها بالعطايا والهدايا ينعم بما يريد ويزيد, ومن لا يملك القرابين وخلافه تنقلب عليه الآلهة وتغضب غضبا شديدا فيصبح من حثالة المجتمع المنبوذين!..
للمزيد إقرأ أيضًا:
لذا فقد أخذت ذادى وزوادى وبعت ما وراءى وما أمامى وذهبت باحثاً عن الكوسة لعلى أصبح سفيراً أو أميراً أو حتى موظفاً صغيراً!.
وليس الغريب فيما ذكرت ولكن الغريب أن يطول بحثى عن الكوسة كل هذه السنين!.. وبرغم علمى “أن طول العمر يبلغ الأمل” إلا أننى أشعر ببلوغى من العمر عتيا حينما أرانى وقد تهلهلت ثيابى فصارت أشبه بملابس بنات هاواى لا تستر إلا القليل!.. وحينما اختفى نعل حذائى فى ظروف غامضة والمؤسف أنه “هرب بجلده” فأصبحت حافيا!!.. واتخذت من الرصيف سريراً ومن لحيتى لحافاً وأصبحت من قطاع الطرق أستوقف القطط الشاردة وأستولى على طعامها بالإكراه!!..
وبعدما أعيانى التعب أحلت نفسى إلى”التقاعد” على ناصية إحدى الشوارع الفارهة..وقد مددت يدى ووضعت الأخرى على عينى وأخذت أردد كلما غدا أمامى أوراح أحد الباشوات: “كوسا لله يا بيه” “كوسا لله يا باشا” وحينما قلت بصوت جهورى” هنيالك يا طابخ الكوسة” رمقنى أحد الباشوات بنظرة فولاذية أشبه بالطلقات المطاطية فوجدتنى اختبأ فى أحد شقوق الحائط كالبرص فقط تتحرك عيناى فى ذعر!.. وبعثت إلى الحياة من جديد على صوت خطوات الباشا مبتعدة, وما هى إلا دقائق حتى اقترب منى اثنين من الشحاذين”
؟!!”انت بتعمل إيه هنا”
“على باب الله بدّور على الكوسة”!
وفجأة تحولت أيديهم وأرجلهم لرفاسات حميرية تنهال على جسدى فأوسعونى ضربا وهم يصيحون: “هى إيه..سايبة..لو شفناك هنا تانى حنقطعك” “انت عارف نحن مين؟!”!
وهنا عرفت الأهمية العظيمة للباس بنات هاواى حينما رأيتنى انطلق كالفأر المحروق فى مزروعات القطن!.. ولم يطفأ النار إلا فحل البصل المدشوش فوق دماغى..فأفقت من غيبوبتى مكرهاً لأجدنى شمساً وسط ملايين المنبوذين امثالى!!.. وعلى صوت الطبول الصادرة من امعائهم وجدتنى أتمايل يميناً وشمالاً! وفجأة تحول التمايل إلى رقص هستيرى اثار فيهم”الشهوة البرلمانية”!!..فأصابنى تصفيقهم الحاد بالصمم!..فانتبهت إلى ما أل إليه حالى وأنا أتراقص رقصة المذبوح..فذرفت الدموع فتعالت ضحكاتهم الصارخة!..
واقترب منى احدهم رابطاً على كتفى قائلاً “لست الأول ولن تكون الأخير فقد سبقناك وسيلحقنا الملايين إلى يوم الدين”..
“أين نحن؟!”..
“نحن فى مزرعة المنبوذين!..فكل يوم يتم ذبح الألاف منا تضحيةً لأبناء الباشوات ولكل من يملك “الكوسا كارت” فى هذه الحياة!!”.
وفجأة أحسست بشعور خروف العيد المسكين حين يستجير بصاحبه من الذبح وحين يطمئن لصاحبه يفاجئ بسكينه مغموسا فى عنقه!, وأحسست أيضا بمن يربت على كتفى: “اصحى .. اصحى… طبخالك كوسة “بالهوبر” يلا الأكل جاهز”!! فوثبت من غفوتى إلى “الطبلية” متحسسا جسدى ساجدا لله أن هذه “الهوبر” ليست من تلك؟!.
بقلم/ الكاتب والباحث الاقتصادي
د. علي زين العابدين قاسم