إسرائيل وحزب الله | نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” تقريرًا مفصلًا يسلط الضوء على عملية استخباراتية إسرائيلية معقدة ضد “حزب الله” اللبناني. هذه العملية، التي استمرت لعقود، نجحت في اختراق التنظيم المسلح وكشف أسراره الداخلية، قبل أن تبلغ ذروتها باغتيال الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، في واحدة من أكثر العمليات الاستخباراتية جرأة وتأثيرًا في الشرق الأوسط.
التجسس الذي دام عقودًا
بحسب التقرير، تمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من زرع عملاء مزدوجين داخل “حزب الله“، مما سمح لها بالحصول على معلومات دقيقة حول مواقع القادة ومخازن الأسلحة وخطط التنظيم. وكانت أبرز أدوات التجسس جهاز الاستدعاء (البيجر)، الذي تم توزيعه على عناصر الحزب كجزء من خطتهم التنظيمية. إلا أن هذه الأجهزة كانت مزودة بتقنيات تجسس متطورة، مما جعلها قناة مباشرة للمعلومات نحو الأجهزة الإسرائيلية.
استمر هذا الاختراق لعقود، حيث كانت المعلومات المستخلصة تُستخدم لتوجيه ضربات جوية دقيقة ضد مخازن الأسلحة وإحباط عمليات تهريب السلاح من إيران وسوريا إلى لبنان. لم يكن “حزب الله” على دراية بهذا الاختراق العميق إلا بعد حادثة التفجير الأخيرة، التي كشفت عن عمق التلاعب الإسرائيلي.
اغتيال حسن نصر الله
في سبتمبر 2024، وبعد سنوات من جمع المعلومات الدقيقة، قررت إسرائيل توجيه ضربة استراتيجية كبرى لـ”حزب الله”. جاء القرار بعد اكتشاف الحزب وجود تلاعب في أجهزة الاستدعاء الخاصة به. حين بدأت قيادة الحزب في إرسال بعض هذه الأجهزة إلى إيران لفحصها، أقدمت إسرائيل على تفجير هذه الأجهزة عن بُعد، مما أدى إلى مقتل آلاف من عناصر الحزب. من بين القتلى كان حسن نصر الله نفسه، الذي لم يكن يتوقع أن تصل إسرائيل إلى هذا المستوى من الجرأة والتخطيط.
التداعيات الإقليمية
اغتيال حسن نصر الله كان نقطة تحول في ديناميكيات الشرق الأوسط. فقد أضعفت العملية الهيكل التنظيمي لـ”حزب الله”، مما جعله يعاني من خسائر كبيرة في صفوف قيادته العليا. كما أثرت هذه العملية على نفوذ إيران في المنطقة، حيث يعد “حزب الله” أحد الأذرع الأساسية لسياساتها الإقليمية.
علاوة على ذلك، أدت العملية إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية. فقد بدأت بعض الدول العربية تنظر إلى “حزب الله” كتنظيم ضعيف ومتهالك، مما فتح المجال أمام تفاهمات جديدة مع إسرائيل حول قضايا أمنية مشتركة.
ردود الفعل
من الجانب الإسرائيلي، تم اعتبار العملية انتصارًا كبيرًا يعكس فعالية جهاز الاستخبارات. وأكد مسؤولون إسرائيليون أن هذه العملية جاءت في إطار الدفاع عن أمن إسرائيل وإضعاف قدرات أعدائها الإقليميين.
أما على الجانب اللبناني، فقد أحدثت العملية صدمة كبيرة. حاول “حزب الله” التخفيف من وطأة الهجوم عبر تضخيم خسائر إسرائيل في مواجهات أخرى، لكن غياب نصر الله كان من الصعب إخفاؤه. يرى محللون أن الحزب دخل في مرحلة حرجة من إعادة الهيكلة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي يواجهها لبنان.
نظرة مستقبلية
إن اغتيال حسن نصر الله يشير إلى أن الحروب في الشرق الأوسط لم تعد تعتمد فقط على المواجهات العسكرية التقليدية، بل أصبحت تدار بشكل متزايد عبر تقنيات الاستخبارات المتقدمة والاختراق التكنولوجي. هذه العملية تُظهر كيف يمكن للاستخبارات أن تغير مسار الصراعات، وهو ما قد يحمل دروسًا لجميع الأطراف في المنطقة.
في النهاية، ستظل هذه العملية علامة فارقة في تاريخ الصراع بين الكيان الصهيوني و”حزب الله”، وتؤكد أن الأفق الإقليمي يحمل تغييرات عميقة قد تعيد رسم خرائط القوة في الشرق الأوسط لسنوات قادمة.