يعد التلمود النص الديني الثاني في القداسة بعد التناخ، أو ما يسمى العهد القديم، وهو النص الذي يشرح ويفسر الشرائع الدينية الواردة في العهد القديم. ويحتل مكانة كبيرة وخطيرة في الفكر الديني اليهودي. وهناك من يساوي أحيانًا بينه وبين العهد القديم، وحتى مع التوراة ذاتها من حيث الأهمية الدينية والتشريعية والعبادية.
وهو أدب تعليمي بدأ وانتشر منذ فترة الأمورائيم، وهم حكماء اليهود في فترة ما بعد كتابة المشنا، في بداية القرن الثالث الميلادي. أما الاسم “تلمود” والذي يعود بداية استعماله إلى فترة التنائيم (حكماء اليهود في فترة ما قبل كتابة المشنا)، فيعني التعليم والدراسة والتفسير. وقد كان في الأساس تفسير لأقوال التنائيم، وهو الفكر الذي تطور في بابل وفلسطين في نفس الوقت، الأمر الذي أدى إلى كتابة تلمودين، التلمود البابلي والتلمود الأورشليمي.
للمزيد إقرأ أيضًا:
- مصرايم بن حام وسبب تسمية مصر بهذا الاسم| الاسم في التوراة والتاريخ
- المسلسل الإسرائيلي “طهران” الحلقة الأولى|| مسلسل طهران الحلقة 1 הסדרה טהרן פרק 1
- تحميل كتاب أساطير التوراة الكبرى وتراث الشرق الأدنى pdf
بدأت عملية التنظيم المنهجي للتلمود قبل أن يظهر في صيغته النهائية في بداية القرن السادس الميلادي بعدة أجيال. وتعود أقدم المخطوطات القائمة اليوم منه إلى القرن التاسع. حيث أصدر دانيال بومبرج والذي كان يعتنق المسيحية، أول تلمود كامل مطبوع بين عامي 1520-1523. وابتكرت دار نشره شكلاً هيكلياً للتلمود ظل قائمًا حتى الآن، دون أن يطرأ عليه أي تغيير، بما في ذلك ترتيب الصفحات والنموذج الطباعي للتفاسير الرئيسية.
الفرق بين التلمود البابلي والتلمود الأورشليمي
يُعرف التلمود البابلي بالاسم الآرامي “الجمارا”، وهو أكثر انتشارًا من التلمود الأورشليمي، كما استعمله حكماء الشريعة اليهودية في الأجيال التي تلت كتابة التلمود في الفتاوى الشرعية أكثر من التلمود الأورشليمي.
على الرغم من أن التلمودين البابلي والأورشليمي قاما على نفس الشرائع، وتمت كتابتهما في مركزين بينهما العديد من العلاقات، إلا أنهما يختلفان عن بعضهما البعض في اللغة والحجم والمحتوى وفي الأسلوب، وفي أحيان عديدة في الاستنتاجات التشريعية.
كما كان التلمود البابلي الكتاب التعلمي الرئيسي في فترة الشتات، في حين لم يستعمل الأورشليمي سوى القليليين، حيث كان تأثيره أقل بكثير، وخاصة عند اليهود الأشكيناز ويهود إيطاليا. وبعد أن كتب إسحاق الفاسي والرمبام (موسى بن ميمون) تفسيرهما للتلمود البابلي، أصبح التلمود البابلي ملزم لكل يهود الشتات من الناحية التشريعية، ويفسر هذا موسى بن ميمون في مقدمة كتابه “مشنا توراة”: “لأن كل تلك الامور التي جاءت في التلمود متفق عليها من قبل كل إسرائيل“.
مباحث التلمود
يتألف من ستة مباحث، بالعبرية سداريم סדרים، ومفردها سيدِر، ويتألف كل مبحث من هذه المباحث من 7 إلى 12 مقالة تُدعى مسيخوت מסכות ومفردها مسيخت מסכת، وهي:
- سيدر زراعيم זרעים (البذور) 11 مسيخت: ويتناول الصلوات والعبادات، ثم الأعشار والتشريعات الزراعيّة.
- سيدر موعيد מועדים (الفصول) 12 مسيخت: ويتناول أحكام الأعياد عند اليهود وأحكام يوم السبت والتقاليد الخاصة به.
- سيدر ناشيم נשים (النساء) 7 مسخيت: يختص بقوانين الزواج والطلاق وحلف اليمين والنذور والوصايا.
- سيدر نزيقين נזיקין (العقوبات) 10 مسخيت: يشتمل على التشريع المدني والعقوبات، وطريقة عمل المحاكم وتحليف الأيمان.
- سيدر قداشيم קודשים (المقدسات) 11 مسيخت: ويتناول شعائر التضحية والهيكل وأحكام الصوم.
- سيدر طهاروت טהרות (الطهارة) 12 مسيخت: ويختص بأحكام الطهارة الشعائرية.
التوراة الشفوية
تعتقد اليهودية الأرثوذكسية بأن كتاب التناخ قد نُقل بشكل متطابق من التقليد الشفوي المتواتر. وهكذا فإن التوراة هي الشريعة المكتوبة، أما الشريعة الشفوية فوظيفتها التعامل مع تطبيقات وتطويرات معاني الشريعة المكتوبة. وبناء على ذلك يشكل التلمود وبشكل نهائي المؤلف المكتوب والموثوق لهذا التقليد؛ وبهذا يكون التلمود العامل والمؤثر الرئيسي في الإيمان والمعتقد اليهودي. وعلاوة على ذلك بالرغم من أنه ليس شريعة قانونية رسمية. فهو القاعدة الأساسية لجميع التشريعات القانونية اليهودية اللاحقة. وهكذا يراه اليهود كمؤثر رئيسي في الهالاخا הלכה “الشريعة” والممارسات الدينية اليهودية. فالتلمود هو تنظيم محتوى الحكمة اليهودية بين الوصية والتطبيق.
المشنا
وهي أول ما ألُف في التوراة الشفهية، وتتضمن الشرائع ومجموعة واسعة من الشروح والتفاسير تتناول أسفار العهد القديم التي قالها التنائيم. وهناك آراء مختلفة حول بداية صياغة المشنا، لكن من المتفق عليه أنه تم تحريرها وصياغتها النهائية في نهاية فترة التنائيم، أي في بداية القرن الثالث، بواسطة الرابي يهودا هناسي وحكماء جيله.
التوراة الشفوية هي تفسير تحليلي للتوراة المدوّنة. وتفيد التقاليد الموروثة أن التوراة الشفاهية أنزلت على سيدنا موسى في جبل سيناء، ثم نقِلت أباً عن جد بواسطة خيرة القوم والزعماء الدينيين. مع بدء القرن الثاني ق.م.، وخاصة بعد تدمير الهيكل المقدس الثاني (عام 70 ميلادي)، أخذت تقاليد وتفاسير مختلفة تنتشر بين الناس، فبادرت الزعامة الدينية إلى تصنيف التفاسير وتحريرها. وأسفرت هذه المبادرة عن مؤلَّف قام بتحريره وتنظيمه الحاخام يهودا هناسي (في القرن الثاني للميلاد)، وسمي المشنا، وهي كلمة تعني “التكرار” أو “التعليم”. والحكماء الذين ترد تعاليمهم في المشنا يُعرفون بإسم “تنائيم”. واستمر عصر التنائيم، الذي تم خلاله جمع مواد المشنا، منذ تدمير الهيكل الثاني وحتى بداية القرن الثالث للميلاد.
وتنقسم المشناه إلى ستة أبواب، يضم كل منها فصولاً، يقدر عددها بـ 63 فصلاً. ويشمل كل فصل عدة فصول ثانوية، تنقسم بدورها إلى عدد متباين من التعاليم، يُعرف كل منها أيضاً باسم مشناه، بالعبرية משנה (جمع: مشنايوت משניות).
هناك مواد أخرى من تلك الفترة لم تُدرج في المشنا، ولكنها توجد ضمن التوسفتا أو في التعاليم الإضافية المعروفة بإسم برايتوت، والواقعة ضمن مجموعتي التلمود. وتكاد كتابة المشناه والمادة الاضافية تقتصر على اللغة العبرية. وتعد المشنا كذلك مصدراً هاماً فيما يتعلق بطقوس الهيكل اليهودي والعادات والتقاليد التي كانت متبعة في تلك الفترة.
تفاسير التلمود والمشنا
ما إن اكتمل إعداد المشنا، حتى تبين الحاجة إلى “تفسير” لها، فجاءت الجمارا فيما بعد، حين ظهر التلمود في صيغته النهائية، حيث اتضح أن هناك حاجة لشرح له. وتبلورت التفاسير المنظمة الأولى للتلمود في القرن العاشر. ويعتبر تفسير راشي רש”י (الحاخام سليمان بن يتسحاق)، من القرن الحادي عشر، أكثر المؤلفات من نوعه انتشاراً وأعظمها تأثيراً.
كما كتب موسى بن ميمون أول تفسير شامل للمشنا بالكامل، وهو مؤلف بالعربية اليهودية (عبرية بحروف عربية)، نُقل إلى العبرية في أواخر القرن الثالث عشر.