الصهيونية والنازية
الصهيونية والنازية: لا شك في أن ظهور حركة عنصرية لابد وأن يصطدم بأي حركة عنصرية أخرى، لأن كل منهما تدعي أنها الأرقى والأقدر على السيادة أو على البقاء. وقد سئل هتلر عن سبب عدائه لليهود، فقال: :لا يمكن أن يكون هناك شعبان مختاران، ونحن وحدنا شعب الله المختار”.
والمعروف عن تاريخ اليهود في توراته وتلموده وفي معاركه المستمرة مع الشعوب التي ينزل بها أنه رهن علاقة خاصة بالرب الذي لا يكاد يعترف إلا بحق اليهودي في الحياة، وفي تسخير الشعوب الأخرى، أو إبادتها.
لهذا يستمر اليهودي يتحدث عن نقاء دمه، بالرغم من اعتراف أنبياءه باختلاط دمائه أو فساد الزرع المقدس إبان سنوات الأسر الطويلة، وعبر قرون الشتات، ولا يزال اليهودي في انتظار “المخلص” الذي سيمكنه من سيادة العالم.
الحلقة الرابعة من مسلسل ساعة الاغلاق| שעת נעילה 4
ومن خلال دعوى “نقاء الدم اليهودي“، تعد القوانين اليهودية “الأم” هي التي يعتد بها في إثبات هذا النقاء. ومن ثم قضت وزارة الداخلية في إسرائيل أن السيدة “ريتا عيتاني” غير يهودية، بالرغن من إنها لأب يهودي، ونشأت في ألمانيا يهودية، واضطهدها الألمان النازيون لأنها يهودية، واعتقلها الإنجليز في قبرص لأنه يهودي تسللت بطريق غير مشروع، وتزوجت يهوديًا في إسرائيل، وعاشت تمارس الشعائر اليهودية، وساهمت في بناء إسرائيل.
هذه الصورة العنصرية الكئيبة، اصطدمت بالعنصرية النازية، وتحالفت معها، والتقت عند قول نيتشه: “إملأ حياتك بالخطر، شيد مدائنك على مقربة من بركان فيزوف، ابعث سفائنك إلى البحار المجهولة، عش في حرب دائمة”.
سدوم قرية قوم لوط | علماء يدعون اكتشاف طريقة تدميرها
وقد وجدت كل منهما في الأخرى عونًا على تحقيق أهدافها، حتى في مصادمتها؛ لهذا لا نعجب إذا كان الشباب الصهيوني يهتف: “ألمانيا لهتلر، وإيطاليا لموسوليني، وفلسطين لجابوتنسكي”، في الوقت الذي كانت فيه النازية تؤرث العداء ضد السامية.
الصهيونية والنازية وفكرة القومية
وقد عمقت كل من الصهيونية والنازية الاعتزاز بالخصوصية القومية وكره الغير أو تحقيره، وكما كان على اليهودي في كل مكان أن يكون ولاؤه لإسرائيل، فإن على جميع المنحدرين من العرق الألماني أن يكون ولاؤهم الأول لألمانيا.
وقد عرف استرايخر ألمانيا العظمى بأنها “أرض يمكن أن يعيش فيها كل الألمان، وكل الشعوب التي تجري فيها دماء ألمانية”، تمامًا كما جرى عليه التفكير الصهيوني على أرض فلسطين، لهذا التقت كثير من الأفكار الصيهيونية والنازية حول (السوبرمان، والتركيز على الماضي والمستقبل، واحتقار العبيد والدياسبورا، وإنكار التاريخ الحقيقي، وإعادة صياغته، ومعاداة الفكر المتحرر، والالتزام بدين دون إله)، بل إن (اليهود شاركوا بشكل ملحوظ في العمل على سيطرة النازية).
تحميل كتاب عائلة روتشيلد pdf| آل روتشيلد لـ مجدي كامل
وقد أخذ المد العدواني ضد اليهود طريقه في ألمانيا سنة 1933، عقب تولي النازية الحكم، إذ اتجه الشباب إلى إشعال النقمة ضد من ليس جرمانيًا آريا، وأصدر هتلر قرارًا بمقاطعة اليهود أول إبريل 1933، باعتبارهم لصوصًا وجواسيس على ألمانيا، وسمح للصهاينة وحدهم بمزاولة نشاطهم، وجمع التبرعات من أجل تشجيع الهجرة والاستقرار في فلسطين.
وفي السابع من إبريل من نفس العام، أصدر قرارًا بفصل كل من ليس آريًا من عمله. وفي 15 سبتمبر 1935 صدر القانون الذي يقضي بضرورة الاحتفاظ بالدم الآري، وأصبح اليهود مواطنون من الدرجة الثانية، مما ساعد على تحقيق الأماني الصهيونية، فقد كانوا يسعون إلى حرق الأرض تحت أقدام اليهود حتى يسارعوا بالهجرة، فهاجر كثيرون إلى أمريكا وفلسطين.
وفي مارس 1941 صدر قرار بالقضاء البيولوجي على اليهود، وسيق الألوف- أو الملايين كما يدعون- إلى غرف الغاز في داخاوا ويلزن وتزلنكا ويوخنفالد وأوشفيتس، وغيرها من معسكرات الاعتقال.
لكم ما جاء في كتاب (جاحاش)، أي “التصلب الإنساني”، بقلم المحامي وعضو الكنيست شموئيل تمير، وما ورد في محاكمة الدكتور “كاستنر”، كشف عن الدور الخطير الذي لعبه رؤساء الوكالة اليهودية في هذا السبيل، وأفاد بأنه كان لهم التأثير المباشر في إبادة يهود هنغاريا، البالغ عددهم 850 ألفًا، من أجل التوجه إلى العالم بعد ذلك، للمطالبة بثمن تلك المجزرة، التي حدثت أو ادعوا حدوثها، وكان الثمن في ذلك الحين إقامة دولة صهيونية.
تاريخ يهود الخزر| من هم الخزر؟
كما جاء في كتاب “ايخمان في أورشليم”، أنه تمت عمليات تبادل (حفنة من الصهاينة نظير الموافقة على إبادة مئات الألوف من اليهود العائدين)!!، وإيخمان هذا الذي تولي مسئولية الإشراف على اليهود في الحكومة النازية، ساعد الصهاينة في تأسيس معسكرات تدريبية للمهاجرين اليهود، وطرد مجموعة من الراهبات من ديرهن حتى يزود بعض الشباب اليهود بمزرعة تدريبية.
وبمقتضى اتفاقية “الهعفراة” بين النازيين والمستوطنين الصهاينة في فلسطين، صرح النازيون لليهود بالهجرة، ووافقوا على الإفراج عن أموالهم، على أن تودع في أحد البنوك الألمانية، وأن يتم إنفاقها داخل ألمانيا ذاتها، عن طريق شراء البضائع والآلات، ومنحت ألمالنيا مؤسسة “الهعفراة” الصهيونية حق احتكار البضائع الألمانية المصدرة إلى فلسطين، وترتب على هذا استيراد خيرة الفنيين اليهود الألمان، والآلات الألمانية التي كانت تحتاجها المستوطنات الصهيونية.
التقويم العبري| بداية التقويم العبري أو التقويم اليهودي
ولما صار “كاستنر”مسئولاً عن إنقاذ المهاجرين اليهود من بولندا وتشيكوسلوفاكيا، ربطته بإيخمان علاقات مباشرة، وهو الذي أقنع اليهود الذين تقلهم القطارات إلى معسكرات الإبادة بأنهم ذاهبون إلى معسكرات تدريب مهني.
وأما الفرد نوسيج الفنان النمساوي، الذي حضر المؤتمر الصهيوني الأول، فقد عمل جاسوسًا للألمان في الحرب العالمية الثانية، ووضع خطة لإبادة اليهود الألمان المسنين والفقراء، وحينما وصلت القوات النازية إلى بولندا، قام نوسيج بتقديم عدة خطط للهجرة اليهودية، فعينه النازيون عضوًا في قسم الشئون اليهودية، ورئيسًا لقسم الفنون اليهودية التابع لها.
الصهيونية والنازية والعنف الصهيوني
وقد انعكس العنف الألماني الصهيوني على الوجود اليهودي في فلسطين، فتألفت الجمعيات الإرهابية، وظهرت عصابات “الهاجاناة” أي “الدفاع”، و “ارجون زفاي لومي” أي “الهيئة الوطنية الحربية”، و “اشتيرن”، نسبة إلى زعيمها الذي كان أحد أفراد العصابة التي اغتالت اللورد موين بالقاهرة سنة 1945.
الحلقة السادسة والأخيرة من المسلسل الإسرائيلي اتونوميا “حكم ذاتي”
وكما جاء في (الكتاب الأبيض) عام 1939، أخذت إنجلترا بمبدأ تقييد الهجرة، دون إرادة الصهاينة، فنشطت العصابات الصهيونية قتلاً وتدميرًا، لترغم الحكومة الإنجليزية على تغيير سياستها، مما ساعد على ازدياد الاضطراب، واختلال الأمن، وبخاصة أن نوعيات مختلفة من المهاجرين المدربين على حمل السلاح ظلوا يتللون إلى البلاد بوسائل كثيرة.
المصدر: كامل سعفان، كتاب اليهود تاريخ وعقيدة (الصهيونية والنازية)، دار الاعتصام، 1988، ص 102-106.