الكتابة العبرية: بسبب العدد الضخم من الرموز المستعملة في الكتابات المبكرة، كان الكتبة فقط هم الذين يستطيعون القراءة والكتابة قبل اختراع الأبجدية في العصر البرونزي المتأخر (1525- 1200 ق. م)، وكانت أهم الأبجديات هي التي ظهرت في كنعان.
الكتابة العبرية أو الابجدية العبرية
مع أن أقدم أبجدية وصلتنا، قبل وصول الفنيقيين إلى كنعان (حوالي 1200 ق. م)، فإن الفنيقيين قد انتجوا أعظم كمية من النصوص التي استخدموا فيها الأبجدية، وترجع هذه النصوص من نحو 1050 إلى 850 ق. م، وعليه؛ فإن نظام الكتابة الذي ظهر قديمًا في كنعان يرجع بصورة عامة إلى الأبجدية الفنيقية. وتعد الأبجدية العبرية هي الابنة المباشرة لها، فعندما استقر العبرانيون في الأرض الجديدة بعد تجوالهم أربيعن سنة في البرية، طوروا طريقتهم الخاصة في الكتابة بتحوير الأبجدية الفنيقية، واستعمالها في لغتهم. وعلى الأرجح أن هذا لم يكن أمرًا عسيرًا، لأن العبرية مثلها مثل الفنيقية والأورجاريتية (لغة كنعان)، وتسمى هي والآرامية بـ اللغات السامية الغربية.
الابجدية العبرية
وتتكون الأبجدية العبرية من 22 حرفًا، كلها حروف ساكنة، لأن الحروف الساكنة هي فقط التي تكتب في العبرية. وأغلب الكلمات في اللغة العبرية القديمة تتكون أصولها من ثلاثة حروف ساكنة، وكان على القارئ أن يضيف الحركات لصياغة الكلمة المقصودة التي يفترضها السياق. فقد تقرأ الكلمة بأشكال مختلفة، ولكن السياق كان ينبه القارئ إلى القراءة المقصودة. كما أن اللغة العبرية كانت تكتب من اليمين إلى اليسار، مثل العربية، وعلى عكس اللغات الأوروبية.
ثبات اللغة العبرية
كُتبت كل أسفار العهد القديم بـ اللغة العبرية، ماعدا إصحاحات قليلة، وفقرات قليلة موزعة، وقد اشتملت على أقوال أقدم عهدًا، ويرى بعض المستشرقين أنه لا يوجد سوى فرق ضئيل بين أقدم النصوص وأحدثها، ذلك أن غالبية اللغات تتغير باستمرار، فمثلاً الآداب الإنجليزية التي ترجعلا إلى ألف سنة سابقة، لا يستطيع أن يقرأها إلا من حصل على تعليم من نوع خاص لذلك. فللعين غير المدربة تبدو قصيدة انجليزية قديمة وكأنها مكتوبة بالألمانية القديمة، التي أصبحت مهجورة تتخللها بعض الرموز الغريبة. بيد أن العهد القديم يحظى بثبات اللغة نسبيًا، وربما يرجع ذلك إلى قدسية هذه النصوص بالنسبة لليهود، مما كان له أثره في ثبات اللغة نفسها.
وقد تكون هناك أسباب أخرى لهذا الثبات، ولعل بعض النصوص الأقدم قد قام المحررون بإعادة كتابتها وتحديثها بلغة العصر في أثناء الفترة من القرن العاشر إلى القرن السادس قبل الميلاد، كما كتبوا القصص التي ظلوا يتداولونها شفاهًا، فمثلاً نعلم أن بعض الأماكن القديمة، التي لابد أنها لم تكن معروفة لغالبية القراء في الوقت الذي كتبت فيه، قد استبدلت بأسماء أحدث.
ففي سفر التكوين (14: 14) نقرأ أنن إبراهيم عليه السلام قد سار حتى دان، ولكن لم يكن لدان وجود في زمن إبراهيم، ولابد أن تلك النقطة سميت دان على اسم أحد أحفاد إبراهيم عليه السلام بعد ذلك بقرون، فلابد أن محرر هذا القسم من سفر التكوين كتب اسم دان عوضًا عن اسم المنطقة القديم “ليشيم”، وهذا الاسم الذي كان لابد معروفًا لإبراهيم، ولكنه لم يكن معروفًا لغالبية القراء في عصر متأخر، وفي إصحاحات أخرى تستخدم الاسماء القديمة والجديدة، فمثلاً: وماتت سارة في قرية أربع “أي حبرون” في أرض كنعان” (التكوين 23: 2).
إقرأ أيضًا: علاقة فشل القبة الحديدية الاسرائيلية بالقلق الأثيوبي على سد النهضة
وسبب آخر محتمل لهذا الثبات في اللغة العبرية، هو أنها بعد مضي زمن، لم تعد العبرية لغة حية بالمعنى الدقيق، فمنذ القرن الخامس قبل الميلاد، بدأ اليهود يتكلمون الآرامية، لغة الفاتحين من الفرس، وبمضي الزمن أصبحت العبرية تستخدم فقط للعبادة، ونتيجة لذلك أصبحت أقل عرضة للتغيير، من اللغات المستخدمة يوميًا في الأعمال والأحاديث.
وحتى بعد أن توقفت العبرية عن أن تكون اللغة المستخدمة في الحياة اليومية، فإنها ظلت موضع الاحترام الشديد، باعتبارها لغة النصوص المقدسة عن اليهود، وظلت أسفار العهد القديم مصونة في اللغة قديمة العهد، ويدعي البعض أنه مع أن نصوصًا غير كتابية كثيرة كتبت بالعبرية في العصورا القديمة، فإنه لم يبق من هذه الكتابات شيء الآن، فيما عدا بعض النقوش على الآثار والحوائط والعملات القديمة، لم يبق من الكتابة العبرية القديمة سوى العهد القديم.
شاهد أيضًا: مسلسل اتونوميا “حكم ذاتي” الحلقة الخامسة مترجمة إلى العربية
أقدم الكلمات في العهد القديم
مع أن أسفار العهد القديم التي بين أيدينا الآن، كتبت على الأرجح في زمن متأخر من تاريخ بني إسرائيل، فإن أجزاء صغيرة من عصر مبكر قد أدمجت في النص النهائي، ومن أقدم هذه الأجزاء كما يعتقد بعض العلماء أغنية مريم بعد عبور بني إسرائيل البحر الأحمر، فقد أخذت مريم أخت هارون الدف ورقصت وغنت وجميع النساء وراءها: “رنموا للرب فإنه قد تعظم. الفرس وراكبه طرحهما في البحر” (الخروج 15: 21). وقطعة أخرى قديمة موجودة في العهد القديم هي ترنيمة دبورة (القضاة 5)، وهي قطعة من الشعر تعطي صورة مختلفة قليلًا عن المعركة الموصوفة في سفر القضاة 4.
الأبجدية الأولى
إن أقدم كتابات استخدمت كأبجدية، هي التي تركها جماعة من شمال غرب أسيا من أسرى الحروب، ممن كانوا يعملون في مناجم الفيروز في شبه جزيرة سيناء، في حوالي 1600 قبل الميلاد، ولم تفك شفرة هذه الكتابات تمامًا حتى الآن، ولكن يبدو أنها كتابات دينية، وإلى الآن لم يكشف وجود ارتباطات بين هذه الكتابات الأبجدية من أقدم العصور، والأبجديات المتأخرة عنها.
إقرأ أيضًا: الضمائر في العبرية כינויי הגוף
الكتابات العبرية القديمة
مع أنه لا توجد في الغالب الآن أية كتابات عبرية قديمة خارج العهد القديم، فإن علماء الآثار اكتشفوا كنزًا كبيرًا من الكتابات على ألواح خزفية في أوجاريت على الساحل السوري، ومع أن هذه الكتابات تستخدم أبجدة من النوع المسماري بدلاً من الأبجدية المكونة من أسطر، فإن اللغة الأوجاريتية قريبة جدًا من العبرية، حتى أنه أمكن للعلماء أن يستخدموا هذه النصوص للمعاونة في حل الصعوبات التي تكتنف بعض الكلمات العبرية غير الواضحة في العهد القديم. كما يعد البعض أن مجموعة الرموز أو الحروف المستخدمة في الكتابة العبرية ليست أبجدية، ولكنها أشبه بذلك إذ تنقصها الحروف المتحركة.
المصدر: ستيفن م ميلر، وروبرت ف هوبر، تاريخ الكتاب المقدس منذ التكوين وحتى اليوم، دار الثقافة، القاهرة، 2008، ص 16- 17.