كما اختلف المستشرقون في تعيين المهد الأول للأمم السامية، اختلفوا كذلك في تعيين اللغة الأولى التي كان يتكلم بها ابناء سام في موطنهم الأول.
لما تبين المستشرقون الصلة الوثيقة الظاهرة بين جميع اللغات السامية أجمعوا على أنها جميعًا مشتقة من أصل واحد. ثم استنتجوا من بعض الظواهر أن تلك اللغة الاصلية كانت منتشرة في منطقة واسعة الأطراف، ونشأت عنها لهجات مختلفة. ظلت هذه اللهجات قريبة الشبه باللغة الأصلية حتى انتشرت قبائل الأسرة السامية في بقاع شتى وهاجر بعضها من مهده الأصلي، ثم ظهر تأثير البيئة في ألسنة المهاجرين، وراحت المخالفة تتسع رويدًا رويدًا، حتى غدت تلك اللهجات جلية المخالفة للأصلي، كأن كل لهجة منها لغة مستقلة عن غيرها. وليس من السهل ان نعرف اللغة السامية الأولى معرفة حقيقية، بل من العبث إطالة البحث في أمر يكتنفه الغموض، نشأ ونمى في عصور موغلة في القدم.
ذهب بعض الباحثين إلى أن اللغة الأكدية (البابلية- الآشورية) هي اللغة السامية. وهذا الرأي قائم على أساس فاسد، إذ لم تصلنا من الأكدية سوى قلة قليلة من الألفاظ يعسر على ضؤها الحكم على مدى أقدمية هذه اللغة. وقد دل البحث العلمي على أن هذه الالفاظ القليلة ليست سامية خالصة، بل تختلط بها ألفاظ سومرية اقتبست من سكان بابل الأصليين، بحيث يتعذر تمييز هذه عن تلك.
وقد أجمع العلماء الباحثون على أن أقدم اللغات السامية هي اللغة العربية القديمة، والأكدية، والكنعانية، وليست هناك وثائق تدل على أن واحدة من هذه اللغات الثلاث تضرب في القدم إلى حد لا يعرف له بدء. وعلى ذلك فمن المحتمل أن تكون الثلاث قد نشأت من أم قديمة مجهولة، عفت ولم يبق لها أثر مستقل تعرف به.
للمزيد إقرأ أيضًا:
- وثائق إسرائيلية رسمية تؤكد: الموساد نشر كتاب “نكت سياسية” في مصر قبل حرب أكتوبر لإزعاج القيادة المصرية
- عندما يتحدث صاحب “الخطابات القاتلة” عن السلام- خطاب نتنياهو “بار إيلان”.
- المسلسل الإسرائيلي “اتونوميا- حكم ذاتي” الحلقة الثالثة مترجمة إلى العربية
وإذا صح أن إحدى هذه اللغات هي الأولى وأن الأثنتين الأخرتين نشأتا منها، فأي هذه اللغات هي الأولى؟ وإذا كانت اللغة الأولى مجهولة فأي لغة من لغات هذه الأمم السامية أقرب صلة وأقرب شبهًا باللغة السامية الأصلية؟
يقول المستشرق أولسهوزن (Olshausen) في مقدمة كتابه عن اللغة العبرية، أن اللغة العربية هي أقرب لغات الساميين إلى اللغة السامية القديمة. وأيد أولسهوزن رأيه هذا بعدة أدلة ارتاح لها الكثير من المستشرقين.
ويرى الدكتور على العناني في مقدمته لكتاب “الأساس في الأمم السامية ولغاتها” أن بلاد العرب في وسط الجزيرة العربية وجنوبها هي المهد الأول للأمم السامية، إذ فيها نشأت الجماعة السامية الأولى في العصور القديمة المظلمة، وعُرفت فيها منذ فجر التاريخ. وهو يرى استنادًا على ذلك، أن الساميين جميعًا هم من الأصل العربي، وأن لغاتهم ترجع إلى لغة عربية قديمة هي اللغة السامية الأولى، وأن منزلة اللهجات السامية من اللغة العربية هي منزلة الفروع الدانية من الأصل، ولذلك نجد الفروق اللغوية بين اللهجات السامية جميعها ضئيلة.