تعريف إسرائيل كـ “دولة يهودية”: في كتابه “التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية، وطأة ثلاثة آلاف سنة”، هاجم اليهودي الإسرائيلي إسرائيل شاحاك الدولة اليهودية، والديانة اليهودية بوجهة نظر يهودي عايش العنصرية والتطرف في دولة الاحتلال الصهيوني. وبسبب أهمية ما يعرضه الكتاب من معلومات دقيقة وحساسة وصادمة عن التاريخ اليهودي، والديانة اليهودية، آثرنا نشر الكتاب على منصة موقع “مصرايم” في مقالات متتالية، نبدأها بهذا المقال، الذي عنونه الكاتب تحت عنوان “يوتيوبيا مغلقة”.
يوتيوبيا مغلقة | تعريف إسرائيل كـ “دولة يهودية”
لا يمكن من دون بحث المواقف اليهودية السائدة تجاه غير اليهود فهم مفهوم إسرائيل كـ “دولة يهودية”، حتى كما تعرف هي نفسها رسميًا. والتصور الشائع الخاطئ بأن إسرائيل، حتى ولو صرفنا النظر عن حكمها للأراضي المحتلة، هي ديمقراطية حقيقية، ناشيء عن رفض مواجهة تأثير تعبير “دولة يهودية” على غير اليهود.
وفي رايي إن إسرائيل كـ “دولة يهودية”، تشكل خطرًا لا على نفسها وسكانها فحسب، بل على كل اليهود والشعوب والدول الأخرى في الشرق الأوسط وغيره. كما أعتبر أن دول وكيانات الشرق الأوسط الأخرى، التي تعرف نفسها بأنها “عربية”، أو “مسلمة”، كما تعرف إسرائيل نفسها بأنها “يهودية” تشكل خطرًا كذلك، إلا أن هذا الخطر يبحث على نطاق واسع، بينما لا يبحث أبدًا الخطر الذي يشكله الطابع اليهودي لدولة إسرائيل.
كان مبدأ كون إسرائيل “دولة يهودية” ذا أهمية فائقة لدى السياسيين الإسرائيليين منذ قيام الدولة، وقد غرس في أذهان السكان اليهود بكل الوسائل التي يمكن تصورها. وعندما ظهرت أوائل الثمانينات، أقلية يهودية تعارض هذا المفهوم، صدر قانون دستوري (قانون له الأولوية على أحكام القوانين الأخرى، ولا يمكن إلغاؤه إلا ضمن أصول خاصة)، عام 1985 أقرته أغلبية كبيرة في الكنيست، وبموجب هذا القانون لا يجوز لأي حزب يعارض برنامجه مبدأ “الدولة اليهودية”، أو يعلن عن عزمه على تغيير هذا المبدأ بالوسائل الديمقراطية، أن يشارك في انتخابات الكنيست.
للمزيد إقرأ أيضًا:
- هجرة سيدنا ابراهيم إلى مصر| الرحلة إلى مصر
- من هو عمير ادم الذي أثار ضجة بظهوره مع محمد رمضان؟
- الحلقة الأولى من مسلسل ساعة الاغلاق| ساعات قبل حرب أكتوبر
أنا نفسي عارضت هذا المبدأ الدستوري بشدة. الأثر القانوني بالنسبة لي، هو أني لا استطيع، في الدولة التي أنا مواطن فيها، الانتساب لحزب أؤيد مبادئه، ولا يستطيع هذا الحزب الاشتراك في انتخابات الكنيست. وهذا المثل بحد ذاته، يظهر أن إسرائيل ليست ديمقراطية بسبب تطبيق الأيديلوجية اليهودية الموجهة ضد غير اليهود جميعًا، وضد اليهود الذين يعارضون هذه الأيديولوجية. ولا يقتصر الخطر الذي تمثله هذه الأيديولوجية المهيمنة على الشئون الداخلية، فهو يؤثر أيضًا على السياسة الخارجية. وسيواصل هذا الخطر النمو طالما تعزز عاملان معتمدان حاليًا، هما: مواصلة تعزيز الطابع اليهودي لإسرائيل، ومواصلة تعزيز قوتها وخاصة قدراتها النووية.
والعامل المشؤوم الآخر، هو تنامي التأثير الإسرائيلي على المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ لذا، فالمعلومات الدقيقة عن اليهودية، وخاصة معاملة غير اليهود في إسرائيل، ليست هانة فحسب، بل ضرورية سياسيًا أيضًا.
دعوني أبدأ بالتعريف الإسرائيلي الرسمي لتعبير “يهودي”، لأوضح الخلاف الكبير بين إسرائيل كـ “دولة يهودية”، ومعظم الدول الأخرى. بموجب هذا التعريف الرسمي، تعود إسرائيل لأشخاص تعرفهم السلطات الإسرائيلية بأنهم “يهود”، ولهم وحدهم بصرف النظر عن مكان وجودهم. من جهة أخرى لا تعود إسرائيل رسميًا، لمواطنيها غير اليهود، الذين يعتبر مركزهم، حتى رسميًا، متدنيًا.
وهذا يعني عمليًا، أن أفراد قبيلة في “بيرو”، إذا تحولوا إلى اليهودية، وأصبحوا يعتبرون “يهودًا”، يصبحون مؤهلين لأن يصبحوا مواطنين إسرائيليين، والانتفاع بحوالي 70% من أراضي الضفة الغربية (وحوالي 92% من أرض إسرائيل “فلسطين“)، المخصصة رسميًا لمصلحة اليهود فقط. وجميع غير اليهود (وليس كل الفلسطينيين فقط) ممنوعون من الانتفاع بتلك الأراضي (ويشمل الحظر عرب إسرائيل الذين خدموا في الجيش الإسرائيلي ووصلوا رتبًا عالية).
مسألة البيرويين الذين تحولوا إلى اليهودية حصلت بالفعل منذ سنوات عدة، وقد استوطن هؤلاء اليهود الجدد في الضفة الغربية، بالقرب من نابلس، على أرض محرمة رسميًا على غير اليهود. وجميع الحكومات الإسرائيلية تغامر باحتمال نشوء خطر سياسي كبير، بما في ذلك خطر الحرب، كي تبقى هذه المستوطنات المتكونة من أشخاص يعرفون بأنهم “يهود” (وليس “إسرائليين”كما تزعم معظم أجهزة الإعلام الكاذبة)، خاضعة لسلطات يهودية.
أظن أن يهود الولايات المتحدة أو بريطانيا سوف يعتبرون دعوة المسيحين لجعل الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة “دولة مسيجية”، تعود للمواطنين المعرفين رسميًا بأنهم مسيحيون “معاداة للسامية“. والنتيجة التي تترتب على هذا المبدأ، هي أن يصبح اليهود الذين يتحولون إلى المسيحية مواطنين كاملين بسبب تحولهم هذا.
ونستذكر هنا، أن فوائد التحول معروفة جيدًا لدى اليهود من تاريخهم الخاص، فعندما كانت الدولة المسيحية والإسلامية تمارس التمييز ضد جميع الأشخاص الذين لا يعتنقون دين الدولة الرسمي، ومن ضمنهم اليهود، كان التمييز ضد اليهود يتوقف فور تحولهم إلى الديانة الرسمية. والتمييز الذي تمارسه دولة إسرائيل ضد غير اليهود يتوقف لحظة تحول الشخص المعني إلى اليهودية. وهذا يظهر بكل وضوح أن الحصرية ذاتها، التي يعتبرها يهود الخارج معاداة للسامية، يعتبرها كل اليهود يهودية. ومعارضة اللاسامية والشوفينية اليهودية يعتبرها اليهود، وعلى نطاق واسع “كرهًا للذات”، وهو مفهوم أعتبره “لغوًا”.
يتبع………… معنى تعبير “يهودي”، ومفهومه في القانون الإسرائيلي