جنرال في الجيش الإسرائيلي: كارثة حرب 73 ليست بشيء مقارنة بـ الحرب العربية الإسرائيلية القادمة: لم يكن يتصور اللواء احتياط، المفوض السابق لهيئة قبول المجندين إسحاق بريك أنه سيكون ذات يوم عدوًا للمؤسسة الأمنية، إلا أن هذا ما حدث بعد التقرير الخطير الذي نشره قبل عام، والذي جاء فيه أن الجيش الإسرائيلي غير مستعد للحرب القادمة، وأنها ستكون أسوء بكثير من حرب 73، مما أدى إلى غضب شديد في المؤسسة العسكرية، وكذلك لدى رئيس الأركان. الأمر الذي أدى إلى تعرض بريك للعديد من المضايقات والافتراءات، لكنه أبى أن يستسلم وواصل فيما يرى أن “كفاحه من أجل إنقاذ الجيش الإسرئيلي من نفسه”. كما تساءل ماذا لو قامت حرب بين مصر وإسرائيل ؟.
حرب 73 ومسألة “التصور”
يقول بريك: “إن ما حدث في حرب 73 بين إسرائيل ومصر، هو ما يتعلق بمسألة “التصور”، إنني أتذكر النشوة العظيمة التي سادت في الدولة بعد إسقاط طائرات الميج قبل حرب 73. لقد كنا واثقون من أن المصريين لن يجرؤوا على مهاجمتنا، وبأننا الجيش الأقوى في العالم، وأن هناك عقبات كثيرة على الأرض تمنع المصريين من مهاجمتنا، وتمنع الجيش المصري يهدد إسرائيل، وأنهم لن يجرؤوا. لقد تركونا بصدمة لازالت ترافقنا حتى اليوم. حيث ارتفع عدد قتلى إسرائيل في حرب أكتوبر، وهذا ليس بشئ في مقابل الكارثة التي سترافقنا بعد الحرب القادمة مع “التصور” الذي نشأ في السنوات الأخيرة.
وحول هذا “التصور” يقول بريك أنه على مدار عشر سنوات مر عليه حوالي 1600 وحدة عسكرية ما بين جوية وبحرية ومن سلاح البر، وأنه كان يتواجد ثلاثة أيام أسبوعيًا بين الجنود، الذين يتحدثون من القلب، بالأمور التي لا يجرؤون على إخبار قادتهم بها.
للمزيد إقرأ أيضًا:
- ضابط استخبارات إسرائيلي ليلة حرب أكتوبر: “فرصة نشوب حرب غدًا مثل فرصة ركوب جدتي دراجة”
- مقتطفات من خطاب جولدا مائير في اليوم الأول لحرب أكتوبر
- “القتال من وراء جدر محصنة”: البئر- مقر القيادة العليا للجيش الإسرائيلي في أوقات الحرب
ومن أهم المشاكل التي تحدث عنها بريك، هي أنه في حين أن للقوات الجوية، القوات البحرية على السواء قائد خاص بهما، فإن القوات البرية تحت رئاسة رئيس الأركان العامة، على الرغم من أنها أكبر بحوالي 100 مرة. وأن رئيس الأركان مشغول بالعديد من الأمور، ولا يذهب إلى هناك، فهو مشغول بالقضايا الاستراتيجية.
وأضاف بريك، إذن من يدير القوات البرية، إنه نائب رئيس الأركان، والذي وصل لهذا المنصب ليكون رئيسًا للأركان. وهو في أحسن الأحوال في هذا المنصب منذ عامين، وفي أغلب الأحوال يبحث نائب رئيس الأركان عن القضايا الاستراتيجية، لأن عليه أن يكون رئيسًا للأركان؛ لذلك فإنه لا يقضي الوقت في إدارة القوات البرية، بل في رئاسة الأركان.
والأسوء من ذلك، بحسب بريك، أنه حتى إذا دخل في الأمور الإدارية، كم من الوقت يمكنه العمل خلال العام؟ من يمكنه إدارة المنظومة الأكبر في إسرائيل؟ والتي يُنفق عليها 60 مليون شيكل من وزارة الدفاع، وتحتوي على مئات الآلاف من الأفراد، ما بين قوات نظامية واحتياط، وبها بنية تحتية وأسلحة بالمليارات. من يمكنه إدارة منظومة كهذه وإعطاء التوجيهات خلال عام أو اثنين؟ في الوقت الذي سيبدأ فيه سوف ينهي عمله.
كما حذر من أن الثقافة التنظيمة في الجيش الإسرائيلي وقعت ضحية فوضى التعامل بالرسائل الالكترونية والهواتف الذكية. وأضاف أنه ليس ضد التكنولوجيا الحديثة، ولكن يتم استخدامها بشكل غير صحيح. بالنسبة للرسائل الالكترونية، أصبحت اللغة الحالية في الجيش الإسرئيلي هي إرسال رسائل البريد الالكتروني، حيث يستقبل قائد الوحدة أو الكتيبة عشرات الايميلات يوميًا، من جميع المصادر، لكنه يمحو الأغلبية، ولا يفحصها، وهو وحده من يقرر أهمية الايميل من عدمه. وفي حالة نشوب حرب سوف يرسل أحدهم ايميل لأنه اعتاد على ذلك، وسيقوم القائد بمحو الايميل لأنه لا يعرف غير ذلك.
وأضاف أن الجنود الآن يحتفظون بالهواتف الذكية في جيوبهم، في الصفوف الدراسية، وتدريبات إطلاق النار، والتدريبات والمواقع. وعلى عكس الأوامر، فإن الهاتف الذكي نقطة تحديد موقع, في الحرب لا يمكنك حتى التحدث، ولكنك الآن في وضع يمكن تحديد هويتك في كل موقع. وحتى القيادة، إن قائد الوحدة يعطي الأوامر للجنود من السرير، وهذا ما اعتادوا عليه في الجيش الإسرائيلي. إن القيادة تعني النظر مباشرة في العيون، إنها لغة الجسد، إنها التواصل والحزم، وكل هذا الآن مفقود.
إن الجيش الإسرائيلي يتميز بعدم القدرة على تصحيح أوجه القصور، وبحسب بريك، فقد أصدر مراقب النظام الأمني أربعة تقارير خلال العامين الماضيين عن أربعة أنظمة غير جاهزة للحرب الآن، وكانت الصدمة، بأن القيادة العامة لا تقرأ هذه التقارير.
الأمر الأكثر سوءًا- بحسب بريك- هو ما يحدث مع الموارد البشرية. حيث حدث تخفيض شديد وفقًا للخطة متعددة السنوات “جدعون” بـ 5000 فرد من القوات الدائمة. كما تم التخفيض كذلك في القوات الجوية، والبرية بحوالي 15%. الأمر السئ في ذلك أنه عند حدوث تخفيض يحدث خلل في الأماكن الأساسية والحرجة. وأصبحت القوات البرية غير قادرة على تنفيذ خطط العمل، كذلك فإن الوضع في المستشفيات ومراكز الطوارئ ببساطة كارثي، حيث يخلق النقص في الأفراد ثقافة البلاغ الكاذب، الأمر الذي يخلق ثقافة التقارير الغير موثوفة.
أما في الهيئات المسئولة، يستقي الكابينت (مجلس الوزراء المصغر) ولجنة الأمن والخارجية المعلومات مما يقوله الجيش عن نفسه. إن الجيش يتحدث عن نفسه بدون صلة بالواقع، ويكون ذلك في أغلب الأحيان إما بسبب عدم معرفته بالواقع، أو لأنه يجمل الصورة. وأصبح المتحدثون باسم الجيش دعائيون ويقولون بأننا نملك أفضل جيش في العالم. إننا في تراجع سحيق. لم يعد الجيش يعرف حتى أن يدير الأعمال الروتينية. كما تعمل وحدات كاملة دون منظمين. إننا لا نختبر الأسلحة، ولا ننظف الأسلحة بعد الانتهاء من التدريبات، ولا يوجد جيش في العالم بمثل هذا الوضع.
كما انتقد بريك تسريح الجيش لمن يحملون رتبة رقيب السرية، والذين كانوا يقومون بالأعمال الإدارية الداعمة للحرب كالمعدات والطعام والانضباط وغير ذلك. كان رقيب السرية يكمل دائرة قائد السرية عي التنظيمات وترتيب المعدات وتشغيل المعسكرات. وعندما اكتشفوا المشكلة، وقرروا إعادتهم، كانت النجربة قد انتهت برمتها.
ويضيف بريك: “عندما أصدرت هذا التقرير، بناء على تجربة وعشر سنوات من البحث الميداني الأكثر شمولاً الذي أُجرى على الإطلاق في الجيش الإسرائيلي، شنت ضدي معركة كاملة، إن القيادة العليا ليست جاهزة للاستماع. لقد استعرضوا بأن الخطة متعددة السنوات “جدعون” سوف تنقل الجيش الإسرائيلي ثلاثون عامًا إلى الأمام، وأنا أقول لشعب إسرائيل إن الخطة “جدعون” قد أعادت الجيش الإسرائيلي ثلاثون عامًا للوراء”.
يواصل بريك بأن الخطة “جدعون” كانت ترى بوجود جيش صغير ولكنه مدرَّب جيدًا ومحترف وذو جودة عالية في الأفراد والأسلحة على الجبهة التكنولوجية. ويتطلب هذا الأمر المراقبة والتتبع ومناقشات الحالة والدروس المستفادة وتصحيح الأخطاء. لكن هذا مستحيل تقريبًا.
هناك أمر آخر أكثر خطورة، وهو انخفاض الدافع، وهو الرقم الذي وصل إليَّ من مصدر مسئول في الجيش الإسرائيلي من انخفاض الرغبة في الخدمة القتالية بالجيش بنسبة 14%، حيث كانت 78% وأصبحت 64% في السنوات الأخيرة.
مسألة “التصور” بعد حرب 73 وحرب لبنان الثانية
ويتسآل بريك: “ما هو “التصور” الآن؟ بعد حرب لبنان الثانية قررت القيادة العليا أنه لم تعد هناك حروب كبرى، حيث ترتبط مصر معنا بمعاهدة سلام بعد حرب 73، على الرغم من أن الجيش المصري يبني نفسه ليكون أقوى جيش في الشرق الأوسط، لكي يستطيع الانتصار في حرب مصر القادمة، إلا أنه لا يتم التعامل مع هذا الأمر على الإطلاق.
كذلك- يضيف بريك- فنحن في سلام مع الأردن، والسوريون ليسوا بقدم المساواة مع إسرائيل. ولا توجد حروب بالمعنى التقليدي، وأن ما يوجد هو إرهاب في غزة ولبنان؛ لذلك رأى القادة العسكريون أن نبني جيش يمكنه من التعامل مع الجبهتين الإرهابيتين، أي قوات برية وجوية يمكنها مهاجمة حماس في غزة، وحزب الله في لبنان. حيث ساد المفهوم بعد حرب لبنان الثانية بأن الصواريخ الجوية لا يمكن إيقافها على عكس القوات البرية، وأنه إذا هاجمنا في جبهة واحدة فإن الأخرى سوف تهاجمنا؛ لذلك كان القرار ببناء جيش لجبهتين إرهابيتين، بدون الأخذ في الاعتبار أي تغيير يمكن أن يحدث في الشرق الأوسط”.
ويختتم بريك حديثه قائلاً: “الأمر لم ينته هنا. على مدى السنوات العشر الماضية ، تطورت مجموعة من الصواريخ من حولنا. 200 ألف صاروخ. ويصف الخبراء العسكريون سيناريوهات سقوط ما بين 1500 و 2000 يوميًا. ويشمل ذلك صواريخ من 500 إلى 600 كجم ذات مدى كبير. والتي لا يجب أن تكون دقيقة. إذا سقط صاروخ واحد في تل أبيب سوف يتسبب في تدمير كامل، مع سقوط قتلى. إن إيقاف ذلك صعب للغاية”.
“ لقد تم تصميم قبة حديدية للصواريخ الصغيرة، وهي أيضًا متباعدة. أنت بحاجة إلى قبة حديدية في جميع أنحاء البلاد وليس لديك ذلك، وعلى أي حال فهي ضد الصواريخ الصغيرة. لا يوجد حل للصواريخ الكبيرة. لقد قيل لنا أن منظومة مقلاع داود يمكنها اعتراض الصواريخ ذات المدى المرتفع والمتوسط .ولكن هل تعلم كم يكلف إنتاج مقلاع؟ 3 ملايين دولار، وليس لدى دولة إسرائيل بنية تحتية اقتصادية تمكنها من امتلاك منظومة في مواجهة آلاف الصواريخ”.
ما شاء الله، بالتوفيق دكتورة عزيزة
رائع