تعرف حارة اليهود في اللغة العبرية بـ רחוב היהודים، كما تعرف في الدول الأوروبية باسم “الجيتو” (Ghetto)، وهي المكان الذي يجمع أفراد الطائفة اليهودية في مدينة أو بلد ما، وقد ظهرت أول حارة لليهود في روما عام 1556.
لم تكن حارة اليهود فى مصر مكانًا إجباريًا ملزمًا لسكن اليهود في أي زمان من التاريخ الحديث لمصر؛ إلا أنها على الرغم من ذلك حوت عددا من اليهود على مر العصور؛ وذلك بسبب تفضيل اليهود التجمع في مكان واحد، بالإضافة إلى ضمها أكثر من معبد يهودي بداخلها. ولم تكن حارة اليهود حارة بالمعنى الحرفي، فهي حي كامل فيه شوارع وحارات كثيرة متصلة ببعضها، وتقع في وسط القاهرة في المنطقة الواقعة بين القاهرة الإسلامية والخديوية.
سكن حارة اليهود أعداد كبيرة من المسلمين والأقباط، وكان سكانها من اليهود مرتبطين بأمرين: أولهما الدخل المحدود، والثاني القرب من مصادر الرزق بالنسبة للحرفيين في الصاغة وغيرها. أما من تحسنت أحوالهم المادية فكانوا يهجرون الحارة إلى حي عابدين أو حي باب اللوق أو باب الشعرية. ومن يغتنون أكثر ينتقلون إلى العباسية أو مصر الجديدة.
للمزيد إقرأ أيضًا:
- المسلسل الاسرائيلي “طهران” الحلقة الخامسة|| مترجمة إلى العربية הסדרה טהרן פרק 5
- قبر يوسف: قصة دفن يوسف عليه السلام في النيل
- جنرال في الجيش الإسرائيلي: كارثة حرب 73 ليست بشيء مقارنة بالحرب القادمة
وقد تركز نشاط التجار من يهود الحارة في الأقمشة والورق والأدوات الكهربائية. وكانت بعض اليهوديات يصنعن الحلوى والمربى ويقطرن الزهر، كما عملن في الحياكة. ومن أشهر المواقع الأثرية اليهودية في حارة اليهود معبد ومقام السيد موسى بن ميمون “رمبام” في القاهرة.
تنقسم حارة اليهود ، التي تقع إلى جوار شارع الموسكي، وتتبع حي الجمالية، إلى شياختين، شياخة اليهود الربانيين، وشياخة اليهود القرائين. وهي ليست حارة بالمعنى الحرفي، بل حي كامل، يضم نحو 360 حارة تتصل ببعضها البعض، كما يؤكد سكانه.
كان اليهود القراءون في يوم السبت (الذين لا يؤمنون إلا بتعاليم التوراة فقط) لا يغادرون منازلهم ولا يوقدون نارًا أو نورًا مكتفين بالوجبات الباردة فقط.
ومن العلامات المميزة لحارة اليهود ” الأوديش ” أو مجمع إيواء فقراء اليهود، وهناك أكثر من 10 أوديشات بعضها يسكنها الأهالي والبعض الآخر تحول لورش خراطة، والأوديش عبارة عن مكان واسع مربع الشكل يتكون من طابقين بكل طابق مجموعة صغيرة من الغرف الضيقة التي أصبح يمتلكها مسلمون ومسيحيون حالياً باستثناء 4 غرف مازالت الجالية اليهودية تدفع إيجارها. بالإضافة إلى ملجأ للمسنين (راز راحمين إسحق ليشع) الخيري.
المعابد اليهودية في حارة اليهود
كانت حارة اليهود تضم 13 معبدًا يهوديًا، لم يتبق منها حاليًا سوى ثلاثة معابد فقط، هي معبد ومقام موسى بن ميمون، والذي بدأ بناؤه عام 1204، بعد وفاة «ابن ميمون» الفيلسوف والطبيب اليهودي الشهير، أو “راب موشي” باللغة العبرية، وهو أحد المقربين من السلطان صلاح الدين الأيوبي. يقام المعبد على مساحة 600 متر مربع، والذي بني بعد وفاة ابن ميمون. والمعبد الثاني بالحارة هو معبد “أبي حايم كابوسي” بدرب نصير. أما المعبد الثالث فهو معبد “بار يوحاي” بشارع الصقالبة.
حارة اليهود في العصر الحديث
لم يعد هناك شيء يدل على حارة اليهود التي تتوسط القاهرة الفاطمية الآن سوى “نجمة داود السداسية” المشغولة بالحديد على أبواب بعض المنازل القديمة المتبقية التي رحل عنها أصحابها ما بين عامي 1948 إلى 1967؛ حيث كان الحرفيون من يهود الحارة يعملون في صناعة الذهب والفضة وصناعة الأحذية ومواقد الجاز وإصلاحها وترميم الأثاث. بيد أن الحارة صمدت باسمها، فلم يتغير رغم أن سكانها ليسوا هم سكانها السابقون، وحاراتها الفرعية، ليست هي نفسها التي كان يسكنها اليهود، وأصبحوا حاليا من المسلمين والمسيحيين.
ورغم خلو الحارة من سكانها اليهود، إلا أن الجميع هناك مازال يتذكر “سوسو ليفي”، الساعاتي الذي هاجر إلى إسرائيل، والخواجة “ماندي” تاجر الـ “ماني فاتورة”، والخواجة “داود” المتخصص في كتابة الكمبيالات، و”راشيل” التي ماتت منذ 10 سنوات، والتي كانت تشتهر بفتح الكوتشينة، وكان يتوجه إليها الكثيرون على اختلاف دياناتهم بالإضافة إلى طلبة الجامعة لهذا الغرض.
كما اشتهر أيضًا من سكان الحارة اليهود “ببة” صاحبة أشهر فاترينة طعام في شارع الموسكي، حيث يؤكد أهالي الحارة أنها كانت تطهو المأكولات الشرقية بطريقة ممتازة ومنها الفول بخلطة ببة السرية، ومن كثرة زبائنها كان من الصعب أن تشتري منها بعد الساعة الحادية عشر صباحًا، حيث تكون قد باعت كل ما طبخت.