قصة القوارب الصاروخية “المسروقة” التي استخدمتها إسرائيل في حرب 6 اكتوبر

بعد مرور نصف قرن منذ أن تحدت إسرائيل الحصار الفرنسي وقامت بسرقة قواربها الخاصة من ميناء شيربورغ عشية عيد الميلاد، تتذكر إسرائيل هذه الأيام قصة القوارب الصاروخية “المسروقة” التي استخدمتها إسرائيل في حرب 6 اكتوبر.

قصة القوارب الصاروخية “المسروقة” التي استخدمتها إسرائيل في حرب 6 اكتوبر

تعود القصة قبل خمسين عامًا، عشية عيد الميلاد، عندما هربت إسرائيل خمسة قوارب صاروخية من ميناء شيربورغ، في منتصف الليل، أثناء عاصفة قوية، بناء على أوامر من القيادة الإسرائيلية، من حوض بناء السفن الفرنسي، بعد أن فرضت فرنسا حظرًا على هذه القوارب الإسرائيلية لأسباب سياسية، حيث اتخذت فرنسا موقفًا معاديًا من إسرائيل بعد حرب يونيو 67، كما حذر شارل ديجول عشية حرب 67 من أن فرنسا ستمنع السلاح عن البادئ بالعدوان و أنها ستتخذ إجراءات ضده في المحافل الدولية.

بعد تهريب القوارب، تم تزويدها بالوقود في البحر، بواسطة سفن تجارية إسرائيلية تتحرك في موقع بطول 5600 كيلومتر. بعد انتشار الخبر حلقت أطقم التلفاز فوق البحر المتوسط بحثًا عن القوارب، كما دعا وزير الدفاع الفرنسي القوات الجوية إلى “منع” السفن الهاربة، وأصبح حديث وسائل الإعلام العالمية الجرأة الإسرائيلية.

قصة الهروب من ميناء شيربورغ

كانت القصة التي انتهت في صباح يوم حرب 6 اكتوبر قد بدأت في عام 1961 عندما استدعى قائد البحرية الإسرائيلية كبار القادة إلى اجتماع في مقر البحرية في جبل الكرمل في حيفا. ونقل إليهم تحذيرات من أنه قد يتم تخفيض رتبة البحرية إلى خفر السواحل إذا لم يعد أسطولها العتيق من أيام الحرب العالمية الثانية ليدافع عن الممرات البحرية الإسرائيلية. عندها ستُترك المهمة للقوات الجوية.

وقد أسفر الاجتماع الذي استمر يومين عن اقتراح غير عادي،حيث كانت الصناعات العسكرية الناشئة في إسرائيل قد طورت صاروخًا صغيرًا رفضه كل من سلاح المدفعية والقوات الجوية. فاقترح أحد الضباط في الاجتماع، أنه إذا تم تركيبه على قوارب صغيرة، فإن هذا الصاروخ الصغير يمكنه إحداث ثقب في السفن الحربية الثقيلة.

“صغيرًا” تعني بأسعار معقولةـ والأهم أطقم بأعداد قليلة. حيث سيكون غرق مدمرة مع طاقم من 200 إلى 250 فردًا هم العمود الفقري للبحرية، أمرًا كارثيًا بالنسبة لبلد صغير مثل إسرائيل. وفي حين أن القوارب الصغيرة لا يمكنها أن تحمل أسلحة ثقيلة بسبب عدم قدرتها على تحمل الإرتداد، فإن الصواريخ يمكنها ذلك لأنه لا ارتداد لها.

وعلى الرغم من المنطق الذي تحمله الفكرة، إلا أنه تم رفض الفكرة من قبل معظم الحاضرين، الذين أشاروا إلى أنه لا توجد دولة غربية لديها مثل هذه القوارب. ومع ذلك ،فقد ترددت الفكرة في عقل يوهاي بن نون قائد البحرية الإسرائيلية، الذي فكر بأنه قد يكون الأمر خياليًا، إلا أنه لم يسمع أي فكرة أفضل. بعد التفكير فيها على مدى عدة أشهر، طلب من نائبه، النقيب شلومو إيرل، دراسة الاقتراح بجدية.

للمزيد إقرأ أيضًا:

وقد أعطى نائب وزير الدفاع شيمون بيريز، الذي ذهب بن نون إليه للحصول على تمويل المشروع بركاته. حيث قال بن نون إنه إذا حصل على ستة قوارب صاروخية فقط ، فإنه سوف يتخلص من بقية الأسطول.

قبل عامين، سافر بيريز إلى بافاريا لعقد اجتماع سري لمدة خمس ساعات في منزل وزير الدفاع الألماني، فرانز جوزيف شتراوس. كان محور حديثهم العلاقة بين الدولة اليهودية الناشئة والمانيا، العلاقات التي قامت أسسها على الابتزاز الإسرائيلي للألمان، والمفاوضات حول التعويضات الألمانية لإسرائيل عن “أحداث النازي”.

اقترح بيريز أن تتخذ ألمانيا خطوة مهمة نحو الاعتراف “بماضيها”من خلال تزويد إسرائيل بالأسلحة اللازمة “لبقائها”، والقيام بذلك دون دعاية، لتجنب غضب العرب، وبدون أن تدفع إسرائيل مقبل ذلك؛ لأنها لا تستطيع تحمل تكلفة الأسلحة. وقد أخبره شتراوس إنه سيوصي حكومته بالاقتراح. كما أكد المستشار الألماني كونراد أديناور هذا التعهد لديفيد بن غوريون، عندما التقا في نيويورك.

وهكذا شملت الميزانية القادمة للجمهورية الألمانية الاتحادية تخصيص قدره 60 مليون دولار “للمساعدات في شكل معدات” خلال فترة خمس سنوات، دون تحديد المستلم. وقد وضعت قائمة بالمعدات العسكرية، معظمها عناصر قياسية مثل المدفعية وأنصاف المسارات. بعد محادثته مع بن نون، تم تعديل القائمة لتشمل ستة قوارب صاروخية. (ستتم إضافة ستة آخرين لاحقًا).

شكل إيرل ، الذي خلف بن نون كرئيس للبحرية، مركز أبحاث يضم أفرادًا من البحرية ومن شركة صناعة الطائرات الإسرائيلية لاستكشاف الفكرة بالتفصيل. تم إعطاء المشروع الاسم الرمزي “شاليخت” (بمعنى الأوراق المتساقطة)، وبالعبرية “פרויקט שלכת”. وفيه نجح المهندس أوري إيف توف المهندس المستقل من شركة الدفاع الرائدة في إسرائيل “رافائيل” في تطوير الصاروخ الفعال “جبرئيلبحر- بحر، الذي سيكون في قلب البرنامج بأكمله.

بيد أن ايرل أراد سفينة متعددة الأغراض، وليس مجرد منصة صواريخ. وفي اجتماع بوزارة الدفاع الألمانية، قال إن القوارب بالنسبة لإسرائيل عبارة عن سفن كبيرة يجب أن تكون قادرة على القيام بمجموعة متنوعة من المهام. كما يجب أن تحتوي على مدافع سريعة النيران يمكن استخدامها ضد الطائرات أو السفن أو أهداف الشاطئ، والسونار للصيد الفرعي، بالإضافة إلى معدات الرادار والاتصالات الأكثر تطوراً من تلك التي تكون في المدمرات بأضعاف حجمها عدة مرات.

عمل في المشروع، الذي استمر عقًدا من الزمن، مئات المهندسين والمهندسين البحريين وغيرهم، يوميًا على مدار أيام السنة، غالبًا ما بين 12- 14 ساعة يوميًا، مع ساعات عمل أقل في عيد الغفران.

في منتصف المشروع وجه الاتحاد السوفيتي لكمة قوية إلى إسرائيل، حيث طورت زوارق صاروخية، وزودت مصر وسوريا بالعشرات منها، وقد كانت تلك الزوارق مزودة بالصاروخ ستيكس، الذي أظهر فاعلية كبيرة بعد ذلك بمدة قصيرة في حرب 67، عندما أطلق زورق مصري صغير، لا يكاد يرى في الأفق، أربعة صواريخ على المدمرة إيلات فدمر كل شيء، وأغرق إيلات، وكانت أول سفينة تغرق بسبب إطلاق صاروخ من سفينة إلى سفينة، ومن بين أفراد الطاقم البالغ عددهم 200 شخص، قُتل 47 وجرح 100، وبهذا أدركت إسرائيل تهديد الصاروخ ستيكس الذي يلوح في الأفق، حيث علمت الاستخبارات الإسرائيلية أنه يحتوي على ضعف نطاق الصاروخ الإسرائيلي “جبرائيل”، وهكذا يمكن للقوارب العربية ببساطة أن تبقى خارج نطاق الصاروخ الإسرائيلي “جبرائيل”، وتطلق صاروخها الذي يمكنه إصابة الهدف بدقة.

إسرائيل تشتري 12 قارب دورية من شيربورغ بأموال التعويضات الألمانية

طلبت إسرائيل 12 “قارب دورية” من حوض بناء السفن في شيربورغ. كانت السفن عبارة عن نسخ معدلة من قارب طوربيد Jaguar الطوربيدي القوي في ألمانيا، وهو أحد طرازات القوارب الإلكترونية (شنيلبوت) التي حشدت الأساطيل المتحالفة في بحر الشمال في الحرب العالمية الثانية.

تم تسليم سبعة من قوارب شيربورغ – واحدة كل شهرين أو ثلاثة أشهر- وبالفعل أبحرت إلى إسرائيل، قبل أن يأمر الرئيس الفرنسي شارل ديجول بفرض حظر على غزة بعد غارة كوماندوز إسرائيلية على مطار بيروت. منع الحظر من نقل القوارب المتبقية إلى إسرائيل، ولكن تم السماح ببنائها وحتى اختباراتها في البحر، لأن شركة بناء السفن سوف تتلقى الدفعة النهائية فقط عندما يتم الانتهاء من جميع القوارب.

كان مردخاي ليمون، والذي تم تعيينه قائداً للبحرية الإسرائيلية في سن السادسة والعشرين، مصمماً على نقل القوارب المتبقية إلى إسرائيل بمجرد إطلاق القارب الأخير. وقد اعترضت رئيسة الوزراء جولدا مائير على اقتراح ليمون بتهريب القوارب، قائلة إن فرنسا من المحتمل أن تقطع العلاقات. وإنه لا ينبغي القيام بأي شيء “غير قانوني” يمكن أن يعرض العلاقات الدبلوماسية للخطر.

مع اقتراب الانتهاء من آخر قارب بحلول نهاية عام 1969، رتب ليمون للقاء لتناول الغداء في مطار كوبنهاجن مع مالك حوض بناء السفن النرويجي، مارتن سيم- والذي زار إسرائيل وكان لديه أصدقاء هناك. حيث شرح له ليمون الوضع في شيربورغ، وسأله ليمون عما إذا كان سيوافق على مساعدة إسرائيل في الخروج من مأزقها. وأنه لن يكون هناك أي مدفوعات.

فرد عليه سيم بأن يعطيه مهلة لمدة 48 ساعة، وعندما اتصل بليمون من أوسلو كان هذا لكي يعطيه الموافقة. وفي الوقت نفسه، كانت القوارب تستعد للتهريب. حيث اقترح ليمون أن تغادر القوارب عشية عيد الميلاد عندما يكون الأمن في حده الأدنى. كما تجنب ضباط الإمداد القيام بعمليات شراء كبيرة يمكن أن تثير الشكوك في هذه الرحلة، عن طريق شراء الطعام بكميات صغيرة من العديد من محلات البقالة في أماكن متفرقة من شيربورغ. كما تمت إضافة الوقود إلى القوارب بزيادات صغيرة يوميًا تقريبًا، لذا، نظرًا لانخفاضها في الماء، كان من الصعب تصور التغيير.

في نفس الوقت، قام سيم بخداع صاحب حوض السفن في شيربورغ، فيليكس أميوت، حيث أخبره باهتمامه بشراء من أربعة إلى ستة قوارب سريعة للمساعدة في التنقيب عن النفط في المناطق البحرية. وقد كانت مواصفات السفن التي طلبها تطابق مواصفات قوارب شيربورغ. فأجاب أميوت على الفور أن لديه خمسة قوارب مناسبة كان أصحابها “يواجهون صعوبة في استلامها”. وقد كان ليمون هو من صاغ كلا الخطابين.

أرسل أميوت نسخًا إلى الجنرال لويس بونتي، المسؤول الفرنسي الذي سيتعين عليه الموافقة على بيعها. كان بونتي سعيدًا باحتمالية التخلص من الفوضى المحرجة لخمس سفن محظورة في ميناء شيربورغ – وهو أمر سيئ بالنسبة لصورة فرنسا كمصدر موثوق للأسلحة. ودعا ليمون لإبلاغه بالعرض النرويجي وسؤاله عما إذا كانت إسرائيل مستعدة للتنازل عن مطالبتها بالقوارب وقبول أموالها.

أجاب ليمون. وقال: “لقد دفعنا مقابلهم ونحن بحاجة إليهم”. لكنه قال إنه سينقل سؤال بونتي إلى وزارة الدفاع في تل أبيب.
بعد عدة أيام، اتصل بونتي المتلهف بالسؤال عما إذا كان قد تلقى ردًا حتى الآن. “ليس بعد”، قال ليمون. “سأتصل بك عندما أفعل”.
ترك ليمون بضعة أيام أخرى تمر قبل أن يتصل ببونتي، حيث أخبره بأنهم قد عارضوا نصيحته وتنازلوا عن القوارب، وبأنهم ضاقوا ذرعًا بالأعمال التجارية بأكملها. وهكذا منحت اللجنة الوزارية المشتركة بين الوزارات والمعنية بصادرات الأسلحة بيعها للموافقة النهائية للنرويج.

في 22 ديسمبر، اجتمعت الجهات الفاعلة الرئيسية الثلاثة في القضية- ليمون وسيم وأميوت- في باريس للتوقيع على عقدين سيتم إرسالهما إلى مكتب بونتي- أحدهما يلغي العقد الأصلي الذي اشترت إسرائيل بموجبه القوارب من أميوت، والآخر عقد بين أميوت و سيم لنقل القوارب الخمسة إلى أوسلو مقابل السعر الذي دفعته إسرائيل.

التقى الرجال الثلاثة مرة أخرى ووقّعوا على مجموعة جديدة من الاتفاقيات تتراجع عن كل ما وقعوا عليه في اليوم السابق، مع إعادة الوضع إلى الوضع السابق. عادت القوارب بشكل قانوني في أيدي الإسرائيليين رغم أنها ظُهِر أنها بيعت لشركة نرويجية. لم يتم إرسال هذه الوثائق إلى بونتي؛ كانت تهدف فقط إلى ضمان أن الأطراف الثلاثة لن يكون لها أية مطالبة مستقبلية على بعضها البعض فيما يتعلق بالبيع الوهمي إلى النرويج.

وهكذا أصبح الأمر عبارة عن عملية شبه عسكرية تديرها قيادة بحرية. تم إخطار السفن التجارية الإسرائيلية التي تقوم بالإبحار بشكل منتظم من وإلى أوروبا من قبل القيادة البحرية بالانتشار في مواقع معينة وأوقات بطول 5600 كم. للمساعدة في الهروب من شيربورج إلى حيفا، من أجل تزويد القوارب الصغيرة بالوقود في رحلة مدتها أسبوع أو تقديم المساعدة. كما بُنيت منشآت التزويد بالوقود المؤقتة على اثنتين من السفن، وتم تدريب أطقمها على تزويد القوارب الصغيرة بالوقود في البحر.

القوارب تعود لقواعدها صباح يوم حرب 6 اكتوبر

حرب 6 اكتوبر: وصلت القوارب إلى حيفا في ليلة رأس السنة 1970. وقد شارك أسطول القوارب الصاروخية بأكمله في المناورات في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر عام 1973. وعادت القوارب إلى قاعدتها في صباح يوم الغفران قبل يوم من اندلاع حرب 6 اكتوبر.

في الليلة الأولى من حرب 6 اكتوبر، اشتبكت أربعة قوارب صواريخ إسرائيلية مع ثلاثة قوارب صواريخ سورية قبالة ميناء اللاذقية السوري في أول معركة صاروخية على الإطلاق في عرض البحر. وقد أطلق السوريون النار أولاً.

نهاية حرب 6 اكتوبر: انتهت حرب 6 اكتوبر بانتصار الجيشين المصري والسوري رغم محاولات إسرائيل بالحصول على القوارب الصاروخية المسروقة.

عن عزيزة زين العابدين

مترجمة لغة عبرية، وباحثة في الشئون الإسرائيلية في تخصص تحليل الخطاب السياسي الإسرائيلي.

شاهد أيضاً

القوة العسكرية وحدها لا تكفي| قراءة في استراتيجيات الصراع العربي الإسرائيلي

القوة العسكرية وحدها لا تكفي| قراءة في استراتيجيات الصراع العربي الاسرائيلي

القوة العسكرية وحدها لا تكفي| قراءة في استراتيجيات الصراع العربي الإسرائيلي