خطاب بنيامين نتنياهو الغامض: خطاب زعيم مهزوم في دولة مهزومة: في أحد المؤتمرات الصحفية بعد الكارثة الأمنية غير المسبوقة في تاريخ دولة الاحتلال، سئل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن سبب تجنبه حتى الآن إعطاء إجابات للجمهور. سارع إلى التهرب وتجنب إعطاء إجابة فورية، بيد أن لغة جسده قد أوضحت من خلال حركات عينيه وارتباكه في بعض الأحيان لماذا يظهر وكأنه ليس في أفضل حالاته، ليس كالزعيم المعتاد للدولة المتباهي بنفسه وبقيادته من خلال حركاته المألوفة، بل زعيم خرب في دولة خربة.
خطاب بنيامين نتنياهو الغامض
الكارثة هزته بشكل مضاعف، ولكن بدلاً من توجيه كل طاقاته لإدارة الحرب وأزمة الاسرى، يبدو أن جزءًا من طاقته موجه إلى حسابات يوم ما بعد الحدث ولمعركة البقاء الشخصية، وهو ما يظهر في محاولته إزالة اللوم عنه وتحميله للآخرين، مما يشير إلى تخبطه وقلقه حيال مستقبله السياسي، بل والشخصي كذلك.
من المعروف أن غياب الاعتراف بالمسؤولية لا يقلل من المسؤولية، بيد أنه من المثير للسخرية أن “بيبي” لا يدرك ذلك. فقد حاول الالتفاف حول الحقائق وتحويل اللوم على الآخرين، مما يشير إلى عدم فهمه للواقع.
العلاقة مع رئيس الأركان، وعودة الأسرى، وتصريحات غامضة حول حماس
ثلاثة أمور هامة برزت في المؤتمر الصحفي الذي حضره وزير الأمن يوآف جلنات ووزير الحرب بيني جانتس. أولاً، من الملاحظ أنهما قدما الدعم والتأييد لرئيس الأركان أفيف كوخافي، بينما لم يشير نتنياهو أبدًا إلى الشخص الذي يقود الحملة العسكرية. فقد عاد وأكد أن هناك تقصيرًا هنا، وقال إنه كان هنا ولم يمدح إلا الجنود، دون تعزية أو تشجيع لمن يفترض أن يقودهم.
من جهة، يقول نتنياهو إن هذه “حرب استقلال ثانية”، ومن جهة أخرى، لا يدعم رئيس الأركان. كما أن هناك إشارات قوية تشير إلى الاستعداد للجنة تحقيق وتعيين المتهمين من وجهة نظره. وقد أشاد بالعمل المشترك مع جانتس وجلنات، بيد أن تجاهل دور رئيس الأركان في لحظات حاسمة هو في الواقع تعبير عن عدم ثقة نتنياهو في رئيس الأركان. ومن الصعب تقبل كيف يمكن لرئيس الأركان قيادة الجيش بعد فشل فادح دون أن يمنحه رئيس الحكومة الدعم العلني.
ثانيًا، يشير نتنياهو في خطابه على عودة الأسرى كهدف ثانوي بجوار الهدف الرئيسي- تدمير القدرات العسكرية لحماس. على الرغم من أن نتنياهو التقى بعائلات الأسرى قبل المؤتمر الصحفي بساعة، ويبدو أن المقابلة معهم أثرت عليه، إلا أنه عندما حدد أهداف الحرب، قال إن الهدف الرئيسي هو تدمير القدرات العسكرية لحماس وأن الأسرى هم هدف ثانوي.
يرى المحللون السياسيون في إسرائيل أنه من الممكن أن يكون ذلك تكتيكًا في التعامل مع حماس، التي تعرف أن نتنياهو لن يستطيع تحمل الضغط في اللحظات الحاسمة وسيكون مستعدًا لدفع ثمن باهظ من أجل إطلاق الأسرى كما حدث في الماضي. غير أن الاستمرار في تجاهل دور رئيس الأركان في لحظات حرجة يعد إشارة غير مباشرة لعدم ثقة رئيس الحكومة في رئيس الأركان.
ثالثًا، يتعلق الأمر بالتصريحات الغامضة حول العلاقة المتناقضة لنتنياهو مع حماس. رغم أن خطابه وحملاته دائماً ما استندت إلى أنه هو القوي أمام حماس والوحيد القادر على هزيمتها، إلا أنه وكما يرى هؤلاء المحللون قد سمح في الواقع بتدفق حقائب الدولارات إلى حماس، وقاد دورات مناورات قياسية ضد حماس دون محاولة حقيقية لهزيمتها.
نتنياهو: زعيم مهزوم في مواجهة أزمة أمنية واقتصادية
“الاقتصاد العسكري هو الاقتصاد الوحيد الذي يهم الآن”. لم يكن نتنياهو ليقول مثل هذه العبارة لو لم يكن يشعر في أعماقه أنه مسؤول عن أكبر كارثة أمنية في تاريخ دولة الاحتلال.
“لم أقوِّي حماس، بل أضعفتها – لم يكن ذلك كافيًا”، كما برر نتنياهو موقفه من خلال هذه العبارة. ومن الواضح أنه يفضل التركيز على الفشل الأمني، حيث يؤكد مسئوليته من خلال إنكاره.
اقتصادياً، يعلم نتنياهو أن عمق الفشل وصدمة الجمهور يتطلب تدخلاً واسعًا للمتضررين؛ لذا، أشار إلى وزير المالية زئيف سموتريتش لاتخاذ إجراءات اقتصادية عاجلة لدعم المتضررين. وتشمل هذه الإجراءات تقديم مساعدات مالية للعمال وأصحاب الأعمال المتضررين، فضلاً عن تقديم دعم خاص لسكان مستوطنات غلاف غزة.
وبحسب مصادر ، فإن نتنياهو يدرك أن عمق الصدمة في الرأي العام الإسرائيلي يتطلب من الحكومة اتخاذ إجراءات ملموسة لمساعدة المتضررين. كما يعتقد أن هذه الإجراءات ستساعد في تخفيف التوتر ومنع الانزلاق إلى أزمة اجتماعية وسياسية.
إن شهور طويلة من الحرب في غزة سوف تفرض تكلفة اقتصادية إضافية فوق التكلفة النفسية والعسكرية التي سوف تتكبدها دولة الاحتلال في مواجهة صمود أبطال غزة.