خطاب بيغين أمام الرئيس السادات في الكنيست

نص خطاب مناحم بيغين أمام الرئيس السادات في الكنيست الإسرائيلي

خطاب بيغين أمام الرئيس السادات في الكنيست: نقدم لكم ترجمة خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلي مناحم بيغين في الكنيست للغة العربية، وذلك خلال زيارة الرئيس المصري أنور السادات. تم إلقاء الخطاب في جلسة خاصة للكنيست الإسرائيلي في الدورة الثالثة والأربعون للكنيست التاسع، يوم الأحد 20 نوفمبر 1977 في الساعة الرابعة مساءًا. وذلك ردًا على الخطاب التاريخي الذي ألقاه السادات في بداية الجلسة.

نص خطاب بيغين أمام الرئيس السادات في الكنيست

سيدي رئيس الكنيست، سيدي رئيس دولة إسرائيل، سيدي رئيس جمهورية مصر العربية، سعادة أعضاء الكنيست المحترمين.

نبعث بتهانينا إلى الرئيس المصري وإلى جميع أبناء الديانة الإسلامية في بلادنا، وفي أنحاء المعمورة بمناسبة حلول عيد الأضحى. يذكرنا هذا العيد بما قام به إبراهيم الخليل من التضحية والفداء في سبيل الرب، كما جاء في قصة ابراهيم الخليل ونجله. كان هذا ابتلاءً من خالق السموات والأرض لأبينا، أبينا المشترك، في إيمانه، ونجح إبراهيم في هذا الابتلاء. ولكن من ناحية القيم الأخلاقية وتطور الجنس البشري كان هذا الابتلاء بمثابة حظر تقديم التضحيات البشرية. إن كلا الشعبين قد تعلما ودرسا في تقاليدهما القديمة ذلك الكلام الإنساني، في حين لا تزال الشعوب من حولنا تمارس تقديم التضحيات البشرية إلى أصنامها. هكذا ساهمنا، الشعب الإسرائيلي والشعب العربي، في تطور الجنس البشري، وما زلنا نواصل كذلك في زيادة نمو الحضارة البشرية حتى الآن.

إنني أبارك الرئيس المصري على وصوله الى بلادنا ومشاركته في جلسة الكنيست. إنَّ وقت
الرحلة الجوية بين القاهرة والقدس لقصير، ولكن المسافة بينهما كانت حتى يوم الأمس ليس لها نهاية. اجتاز الرئيس السادات هذه المسافة بشجاعة. ونحن اليهود نقدر الشجاعة كما يجب، ونقدرها أيضا لدى ضيفنا، بما أنه الشجاعة قد أدت إلى نهضتنا، وبالشجاعة نستمر في العيش.

سيدي الرئيس، هذه الأمة الصغيرة، البقية المتبقية من الشعب اليهودي التي عادت الى وطننا التاريخي، أرادت صنع السلام دائمًا. وعند بزوغ فجر استقلالنا في 14 أيار 1948، في وقت الإعلان عن الاستقلال، قال دافيد بن غوريون في وثيقة الأساس لحريتنا الوطنية: “إننا نمد السلام وحسن الجوار لجميع البلدان المجاورة وشعوبها، وندعوهم إلى التعاون مع الشعب اليهودي المستقل في بلاده”. وقبل ذلك بعام، في حين شاركنا في الحركة السرية، ونحن نخوض معركة مصيرية على تحرير الأرض وخلاص الشعب، توجهنا إلى جيراننا بالدعوة التالية: “في هذه البلاد سنعيش معًا و سنتقدم معًا نحو حياة الحرية والسعادة. جيراننا العرب، لا ترفضوا اليد الممدودة اليكم بسلام”.

ولكن من واجبي، واجبي، سيدي الرئيس, وليس فقط من حقي، أن أشدد اليوم حسب ما شهدناه على أرض الواقع، أن يدنا الممدودة الى السلام لم تُقبل، وبعد يوم من تجديد استقلالنا المجدد، على أساس حقنا الحق الأبدي غير القابل للإلغاء، تم شن هجوم علينا على ثلاث جبهات ولكننا صمدنا، في حين لم تكد تكون في حيازتنا أسلحة – القلائل أمام الكثيرين، والضعفاء أمام الأقوياء. كانت هذه محاولة، بعد اعلان الاستقلال بيوم، في خنق الاستقلال بالعداوة والبغضاء كما يوضع حد للأمل الأخير للشعب اليهودي في جيل الإبادة والنهضة.

لا، لا نؤيد القوة، ولم نعتمد أبدًا في علاقاتنا الجارية مع الشعب العربي على القوة. بالعكس، تم استخدام القوة ضدنا. وطوال سنوات هذا الجيل لم نزل نتعرض لهجومات مسلحة تستهدف إبادة شعبنا، وتقويض استقلالنا، وإلغاء حقنا.


لقد دافعنا عن أنفسنا. نعم! دافعنا عن حقنا، وعن بقائنا أحياء، وعن كرامتنا، وعن نسائنا وعن أطفالنا الصغار، أمام محاولة متكررة لممارسة القوة المسلحة ضدنا، وليس في جبهة واحدة فحسب. ومن الصحيح أيضا: ساعدنا الرب على قهر قوات العدوان ونحن نضمن البقاء لشعبنا، ليس فقط في هذا الجيل فحسب، وإنما كذلك في الأجيال القادمة.

لا نؤيد القوة، نؤيد الحق، والحق وحده. وعليه؛ نرغب من أعماق قلبنا، منذ أيام القدم وحتى الآن، في صنع السلام.

سيدي الرئيس، سيدي الرئيس المصري، في هذا البيت الديمقراطي يجلس قادة الحركات اليهودية بأسرها. كان عليهم خوض معركة القلائل أمام الكثيرين، أمام القوة العالمية شديدة البأس. هنا يجلس القادة الكبار الذين قادوا معسكرات كاملة إلى ساحة القتال الذي لم يريدوه، وإلى انتصار محتوم بما أنهم كانوا يدافعون عن الحق. إنهم ينخرطون في أحزاب متباينة، ولهم وجهات نظر مختلفة، ولكني متأكد، سيدي الرئيس، إنني أعبر عن رأيهم جميعا، وأنا أقول إنه لنا الرغبة نفسها في القلب، والروح، ونشترك في نفس الرغبة والإرادة: جلب السلام، السلام لشعبنا، والذي لم يشهد السلام حتى ولو ليوم واحد منذ أن بدأنا في العودة الى صهيون، كما جلب السلام لجيراننا، الذين نتمنى لهم كل خير. ونعتقد أنه إذا صنعنا السلام، السلام الحقيقي، فنستطيع تقديم المساعدة المتبادلة في كل مجالات الحياة وتبدأ حقبة جديدة في الشرق الأوسط، حقبة من النمو والازدهار، والتطوير و التطور والنمو كما كان في أيام القدم.


* فيديو إسرائيلي مترجم يكشف أسرار تعرض للمرة الأولى عن زيارة السادات لإسرائيل


ولذا؛ لو سمحت، أريد أن أحدد اليوم مفهوم السلام كما نفهمه. نريد صنع السلام التام، والحقيقي، من خلال التسامح التام بين الشعبين: اليهودي والعربي. بغير الغرق في ذكريات الماضي. كانت هناك حروب. وكان هناك سفك الدماء. فسقط أبناء الجيل الصاعد الرائع من الطرفين. طوال أيامنا نعلي من شأن أبطالنا الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل حلول هذا اليوم، وكذلك يحل أيضا هذا اليوم. نحترم شجاعة العدو كما نحترم كل أبناء الجيل الصاعد الذين سقطوا هم كذلك في صفوف الشعب العربي. ممنوع علينا أن نغرق في ذكريات الماضي حتى إذا استصعبنا الأمر. علينا أن نضع الذكريات جانبًا، ونهتم بالمستقبل، لشعوبنا, وأطفالنا، ومستقبلنا المشترك، وأن نعمل على أن نعيش في هذه المنطقة جميعًا، وعلى مر الأجيال: الشعب العربي الكبير، والدول والبلدان الخاصة به، والشعب اليهودي في بلاده – أرض إسرائيل. وعليه؛ علينا تحديد ماهية السلام.

هيا نتفاوض، سيدي الرئيس، بصفتنا أشخاصًا أحرار على اتفاقية سلام. وبعونه تعالى، وهذا ما نؤمن به تمامًا، سيحل اليوم الذي نوقع فيه اتفاقية سلام باحترام متبادل، وعندها سوف نكون على يقين أن فترة الحروب قد انتهت. لقد مددنا اليد إلى الآخر، وصافحنا يد الآخر وسوف يكون المستقبل باهرًا أمام شعوب المنطقة بأسرها. إنَّ بداية الحكمة تعود لتوقيع اتفاقية سلام – إلغاء حالة الحرب.

أوافق، سيدي الرئيس، أنك لم تصل إلينا ولم ندعوك إلى بلادنا، كما تداولت الألسنة في الأيام الأخيرة، لكي تدس الإسفين في أوساط الشعوب العربية. لقد مزح أحدهم باستخدام مقولة منذ أيام القدم: “فرق تسد”، وأقول: لا تريد إسرائيل الحكم ولا تريد الفصل. نريد صنع السلام مع جميع جيراننا: مع مصر والأردن وسوريا ولبنان. نريد اجراء المفاوضات.

توفيق طوبي (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة): لماذا ليس مع الشعب العربي الفلسطيني؟ لماذا ليس مع الشعب العربي الفلسطيني؟

رئيس الحكومة مناحيم بيغين:
(سيدي الرئيس, قام زميلي بمقاطعة كلامي، ولكن يسرني أنه لم يقم بمقاطعة كلامك)
(تصفيق)
لا داعي لوضع فصل بين اتفاقية السلام والغاء حالة الحرب. ليس هذا ما نطرحه ونطلبه بالعكس – البند الأول في اتفاقية السلام هو الغاء حالة الحرب الى أبد الآبدين. إننا نريد اقامة علاقات طبيعية متبادلة كما تجري بين كل الشعوب حتى ما بعد كل الحروب. واستخلصنا من التاريخ، سيدي الرئيس، أن الحرب هي محتومة. والسلام هو محتوم.


* عندما رفض بيجين كلمة “ضم” في نص قانون الجولان


لقد خاضت شعوب كثيرة حروبًا متبادلة، وبين الفينة والأخرى تم استخدام المصطلح السخيف “عدو مصري”. لا أعداء مصريون. وبعد أن انتهت كل الحروب أتى الأمر المحتوم – السلام. وعليه، نطلب أن تتضمن اتفاقية السلام إجراء علاقات دبلوماسية كما هو معمول به في أوساط الشعوب المتحضرة. وفي الوقت الحالي يرفرف علمان في القدس – العلم المصري والعلم الإسرائيلي. لاحظنا معًا، سيدي الرئيس، أطفالنا الصغار يرفعون العلمين. هيا نوقع اتفاقية سلام ونجع هذه الحالة تستمر الى الأبد في القدس وفي القاهرة على حد سواء. وأنا على أمل أن يحل اليوم الذي يرفع فيه الأولاد المصريين هذين العلمين. سيكون لك، سيدي الرئيس، سفير مخلص في القدس وسيكون لنا سفير في القاهرة، وحتى وإن حدثت خلافات في الآراء بيننا سوف نناقشها كشعوب متحضرة عن طريق مبعوثينا المتفق عليهم.

إننا نطرح التعاون الاقتصادي من أجل تطوير بلداننا. ففي الشرق الأوسط هناك بلدان عجيبة. هكذا خلقها الرب – واحة، ولكن بها كذلك صحراوات ويجوز تعميرها. هيا نتعاون في هذا المجال. نقوم بتطوير بلداننا، ونضع حدًا للفقر، والمجاعة، وانعدام الملاذ، وندفع شعوبنا إلى مكانة الدول المتطورة، لئلا تتم تسميتنا بالدول النامية. ومع فائق الاحترام أريد إبداء موافقتي على كلام جلالة ملك المغرب، والذي قال على العلن إنه إذا حل السلام في الشرق الأوسط فسوف يؤدي عمل العبقريين: العربي واليهودي على حد سواء الى تحول هذه المنطقة الى جنة على الأرض. هيا نفتح بلداننا أمام حركة المرور الحرة. تزوروا بلادنا ونزور بلادكم. أنا مستعد أن أعلن، سيدي الرئيس، في هذا اليوم، أن بلادنا مفتوحة أمام المواطنين المصريين. هذا الإعلان غير مرهون بشرط أيا كان من قبلنا. وأظن أنه ينبغي أن يصدر إعلان متبادل في هذا الشأن. فكما توجد رايات مصرية ترفرف في شوارعنا هكذا يتواجد في هذا اليوم وفد محترم من مصر في عاصمتنا وبلادنا، وأتمنى أن يسجل عدد الزوار ارتفاعًا. وتكون حدودنا مفتوحة أمامكم مع جميع الحدود الأخرى. وكما ذكرت – هذا ما نريده في الجنوب، والشمال والشرق.


* وثائق إسرائيلية رسمية تؤكد: الموساد نشر كتاب “نكت سياسية” في مصر قبل حرب أكتوبر لإزعاج القيادة المصرية


وعليه؛ أتوجه مرة أخرى إلى الرئيس السوري أن ينتهج نهجك، سيدي الرئيس، وأن يصل الينا للشروع في مفاوضات تستهدف إحلال السلام بين إسرائيل وسوريا وتوقيع اتفاقية سلام بينهما. يؤسفني القول إنه لا مبرر للحزن الذي أعلنوه من وراء حدودنا الشمالية. بالعكس, زيارات من هذا القبيل، وعلاقات من هذا القبيل، واستيضاحات من هذا القبيل يجوز ويجب أن تكون بمثابة أيام فرح، وبهجة للشعوب بأسرها.

إنني أتوجه بدعوة الى الملك حسين أن يصل الينا ويتفاوض معنا حول جميع المسائل المطروحة على طاولة البحث بيننا، كما أتوجه بدعوة الى المتكلمين الحقيقيين باسم عرب إسرائيل أن يتفاوضوا معنا حول فحص مستقبلنا المشترك، وضمان حرية الإنسان، والعدل الاجتماعي، والسلام، والكرامة المتبادلة. وإذا توجهوا الينا بدعوة لزيارة عواصمهم فنلبي دعوتهم. وإذا توجهوا الينا بدعوة لبدء المفاوضات في دمشق، وعمان وبيروت فسوف نزور تلك العواصم بهدف التفاوض هناك. لا نريد الفصل. إننا نريد صنع السلام الحقيقي مع جميع جيراننا، الأمر الذي يجد تعبيرًا له في اتفاقيات السلام على ما تحتويه من مضامين كما أوضحت سابقًا.

مئير فيلنر (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة):
تريدون اشغال بالنا جميعًا عن الشعب الفلسطيني. المسألة الفلسطينية هي المركزية.

رئيس الحكومة مناحيم بيغين:
سيدي الرئيس، يترتب علي اليوم أن أسرد على مسامع ضيوفنا وعلى مسامع الشعوب التي تشاهدنا وتستمع إلى كلامنا عن الصلة القائمة بين شعبنا وهذه البلاد. ذكر الرئيس وعد بلفور. لا، يا سيدي، لم ننتزع بلادًا غريبة إطلاقا. عدنا إلى وطننا. الصلة القائمة بين شعبنا وهذه البلاد هي صلة أبدية، أقيمت في فترات غموض شهدها التاريخ البشري. ولم تنقطع هذه الصلة أبدا. ففي هذه البلاد أنشأنا ثقافتنا، وهنا تنبأ أنبياؤنا الذين اقتبست عن كلامهم المقدسة في هذا اليوم. وهنا قام ملوك يهودا واسرائيل بعبادة الرب، وهنا أصبحنا شعبًا، وهنا أقامنا مملكتنا، وعندما تم إبعادنا عن بلادنا وآراضينا باستخدام القوة، لم ننس هذه البلاد حتى ولو ليوم واحد. كانت في لصلواتنا، وشوقنا، وآمنا بعودتنا إليها منذ أن جاءت الفقرة (المزمور 26: 1- 2): “عندما رد الرب سبي صهيون صرنا مثل الحالمين حينئذ امتلأت افواهنا ضحكا وألسنتنا ترنما”. انطبقت تلك الفقرة على كل جالياتنا، وعلى كل ما تعرضنا له من عذاب وتنكيل ومعاناة – السلوان الخاص بالعودة إلى صهيون التي سوف تأتي.

سبق وتم الاعتراف بحقنا هذا. دخل وعد بلفور ضمن الانتداب الذي اعترفت به شعوب العالم، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية. وجاء في صدارة تلك الوثيقة الدولية المشهورة:

“Whereas recognition has thereby been given to the historical connection of the Jewish people with palestine and to the grounds for reconstituting their National Home in that country.”
دار الحديث إذن حول الصلة التاريخية بين الشعب اليهودي وفلسطين، وحول إعادة إقامة وطنهم القومي في تلك البلاد.

وفي عام 1919 حظينا بهذا الاعتراف أيضا من قبل المتكلم باسم الشعب العربي. ففي اتفاق الثالث من كانون الثاني 1919, الذي وقعه الأمير فيصل وحاييم فايتسمان، جاء

“Mindful of the racial kinship and ancient bonds existing between the Arabs and the Jewish people, and realizing that the surest means of working out the consummation of their national aspirations is the closest possible collaboration in the development of the Arab state and of Palestine.”
“وإذ نضع في اعتبارنا القرابة العرقية والروابط القديمة القائمة بين العرب والشعب اليهودي، وإدراكًا أن أضمن وسيلة لتحقيق تطلعاتهم الوطنية هو التعاون الوثيق في تطوير الدولة العربية وفلسطين”.


ماذا حدث لنا في حين نُزِعَ وطننا عنا؟ رافقتك هذا الصباح، سيدي الرئيس، إلى “يد فشيم” (متحف ضحايا الهولوكست). وشاهدت بأم عينيك ما حل بمصير شعبنا في حين نُزِعَ هذا الوطن عنا.

مستحيل وصف ذلك. اتفقنا كلانا، سيدي الرئيس، أن من لم يشاهد بعينيه كل الموجود في “يد فشيم” لا يستطيع فهم ما حل بهذا الشعب عندما لم يكن له وطن، وعندا اُغتصب وطنه. فقد قرأ كلانا الوثيقة من 30 كانون الثاني 1939, التي تظهر فيها الكلمة “فيرنيختونغ” – في حالة نشوب الحرب تتم إبادة العرق اليهودي في أوروبا. حتى في حينه قالوا لنا: لا حاجة للانتباه إلى هذا الكلام.

كان العالم بأكمله قد سمع ذلك. ولم يأت أحد لنجاتنا، ليس في الأشهر التسعة المصيرية، والحاسمة، التي مضت من صدور هذا الإعلان الذي لم يُنشر مثله منذ أن خلق الرب الإنسان وأدى الإنسان بدوره إلى خلق إبليس، وحتى خلال تلك السنوات الستة عندما كان ملايين من أبناء شعبنا، ومنهم مليون ونصف المليون من أطفال إسرائيل الصغار، عرضة للموت على جميع أشكاله. لم يأت أحد لنجاتنا – لا من الشرق ولا من الغرب. بسبب ذلك أقسمنا يمين الولاء، كل أبناء هذا الجيل بأسرهم، جيل الإبادة والنهضة: أبدًا لن نضع أبناء شعبنا أمام الخطر، وأبدًا لن نضع نساءنا وأطفالنا الذين علينا حمايتهم – إذا اقتضى الأمر ذلك، حتى وإن قد دفعنا الثمن حياتنا – في مرمى النيران المدمرة للعدو.

وهكذا أيضًا، منذ ذلك الحين، يتوجب علينا على مر الأجيال أن بعض الكلام التي يتم قولها تجاه شعبنا، علينا أن نأخذه بعين الجدية الكاملة ومحظور علينا، لا سمح الله، انطلاقًا من مراعاة مستقبل شعبنا، أن نتلقى مشورة أيًا كانت في عدم التعامل مع هذه الكلام على أنها جدية.

ويعرف الرئيس السادات، كما قلنا له قبل وصوله إلى القدس، أن موقفنا يختلف عن موقفه من الحدود الدائمة بيننا وبين جيراننا. ولكن أتوجه الى الرئيس المصري وإلى جيراننا جميعا وأقول: الرجاء ألا تقولوا: لا توجد، ولا تجري مفاوضات حول شئ أيا كان. إنني أقترح، على أساس رأي الأغلبية الساحقة من هذا البرلمان، أن تخضع الأمور بأكملها للمفاوضات. وتقع المسؤولية الخطيرة على من يقول: في العلاقات الجارية بين الشعب العربي أو الشعوب العربية في المنطقة ودولة اسرائيل توجد أمور يجب عدم شملها في المفاوضات. كل الأمور تخضع للمفاوضات. ولن يقول أي طرف خلاف ذلك. ولن يأت أي طرف بشروط مسبقة. سندير المفاوضات باحترام متبادل. وإذا دارت بيننا خلافات في الآراء، فليس هذا أمرا خارقا للعادة. فمن درس تاريخ الحروب وتاريخ اتفاقيات السلام يعرف أن جميع المفاوضات التي تستهدف توقيع اتفاقية سلام قد انطلقت من خلافات في الآراء بين الأطراف وخلال المفاوضات تم التوصل إلى اتفاق أدى إلى توقيع اتفاقية أو معاهدة سلام. فنحن نقترح السير في هذا الطريق. وندير المفاوضات كسواسية. لا منهزمون ولا منتصرون. كل شعوب المنطقة سواسية وينظر كل منها الى غيرها بعين الكرامة. وبهذه الروح الانفتاحية، والاستعداد للاستماع الى الآخر، والحقائق، والتبريرات والتفسيرات، مع كل محاولات الإقناع الإنساني، المعمول بها – هيا ندير المفاوضات على الشكل الذي طلبته وأقترح الشروع فيه، والاستمرار فيه، وبغير هوادة حتى التوصل إلى توقيع اتفاقية سلام مشتركة في الوقت المناسب.

إننا نوافق ليس فقط على الجلوس مع مندوبي مصر والأردن، وسوريا ولبنان – إذا شئت ذلك – في مؤتمر السلام في جنيف. فقد اقترحنا استئناف مؤتمر جنيف على أساس قراري مجلس الأمن: 242 و- 338. أضف الى ذلك، فإذا ظهرت مشاكل بينا حتى انعقاد مؤتمر جنيف، هيا ندرسها اليوم وفي يوم الغد، وإذا شاء الرئيس المصري الاستمرار في دراستها في القاهرة – أهلا وسهلا؛ وإذا أراد في مكان محايد – فلا مانع. في أي مكان. هيا ندرس- ما قبل انعقاد مؤتمر جنيف – المشاكل التي يجب فحصها قبل انعقاده، وستكون عيوننا مفتوحة وآذاننا صاغية أمام جميع الاقتراحات والمشاكل التي ستظهر.

ولو سمحت، أريد أن أقول كلمة عن القدس. سيدي الرئيس، أقمت الصلاة اليوم في المسجد المقدس لدين الإسلام ومن هناك ذهبت لزيارة كنيسة القيامة. أصبحت تعلم الحقيقة، التي يدركها كل شخص يزور القدس: منذ أن أصبحت هذه المدينة متحدة يتمتع أبناء كل الديانات بحرية المرور الكاملة الى الأماكن المقدسة لها بدون أي عائق أو حاجز. إنَّ هذه الظاهرة الإيجابية لم تكن قائمة لمدة 19 عاما. وإنها موجودة لمدة 11 عاما تقريبا كما نستطيع التعهد للعالم الإسلامي، والعالم المسيحي والشعوب بأسرها، بأن يتمتع العالم أجمع بالمرور الحر للأماكن المقدسة في نظر كل ديانة. سندافع عن هذا الحق من حرية المرور الحر، بدافع ايماننا – بتساوي الحقوق بين الأشخاص والمواطنين بوجوب التعامل مع جميع الأديان باحترام.

سيدي الرئيس، هذا هو يوم غير عادي لمجلس النواب خاصتنا، وبالتأكيد سيبقى في الأذهان والعقول طوال سنوات كثيرة في تاريخ شعبنا، كما في تاريخ الشعب المصري، وفي تاريخ الشعوب. وفي هذا اليوم، سعادة أعضاء الكنيست المحترمين، أبتهل إلى الخالق رب آبائنا المشترك أن يعطينا الحساسية المطلوبة لتفادي العراقيل والصعوبات، والكلام التحريضي والطاعن; وبعونه تعالى نشهد اليوم المنشود، الذي هو قبلة لصلوات شعبنا – السلام. نعم! فقد قال ذو الترانيم الممتعة (وهو النبي داود عليه السلام): “البر والسلام تلاثما”. والنبي زكريا: “فأحبوا الحق والسلام”.

(تصفيق)
(رئيس حكومة إسرائيل مناحيم بيغين والرئيس المصري أنور السادات يصفقان)
(تصفيق)
نص خطاب مناحم بيغين أمام الرئيس السادات في الكنيست الإسرائيلي

مناحم بيغين

مناحيم بيغين، وبالعبرية: מנחם בגין، ولد بيغين في 16 أغسطس 1913 يمدينة بريست لتوفيسك في روسيا البيضاء، وتوفي في 9 مارس 1992.

كان بيغين سياسي إسرائيلي ومؤسس حزب الليكود، وسادس رؤساء حكومة إسرائيل. كان بيغين قبل قيام دولة الاحتلال إسرائيل قائد المنظمة العسكرية القومية إرجون، ولد بيغين في روسيا البيضاء ودرس فيها حتى أنهى المرحلة الثانوية، ثم سافر بيغين إلى بولندا عام 1938 حيث أنهي درساته في جامعة “وارسو” لدراسة القانون.

تعرف بيغين على العمل الصهيوني من خلال منظمة “بيتار” اليهودية البولندية التي ترأسها بيغين في عام 1939. حصل بيغين على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات.

عن عزيزة زين العابدين

مترجمة لغة عبرية، وباحثة في الشئون الإسرائيلية في تخصص تحليل الخطاب السياسي الإسرائيلي.

شاهد أيضاً

هل يعكس خطاب بينيت الأول في الأمم المتحدة تغيرًا في السياسة الخارجية الإسرائيلية؟

هل يعكس خطاب بينيت الأول في الأمم المتحدة تغيرًا في السياسة الخارجية الإسرائيلية؟

هل يعكس خطاب بينيت الأول في الأمم المتحدة تغيرًا في السياسة الخارجية الإسرائيلية؟