ألقى رئيس الحكومة الإسرائيلي نفتالي بينيت خطابه الأول في الأمم المتحدة نهاية الشهر الماضي، والذي دعا فيه إلى ضرورة تسخير المجتمع الدولي ضد إيران سويًا إلى جانب مكافحة فيروس كورونا!!
ولطالما كانت الخطابات التي ألقاها رؤساء الحكومات الإسرائيلية في الأمم المتحدة موجهة إلى المتلقي المحلي “الإسرائيلي” على الرغم من الطابع الدولي لهذه الخطابات. إلا أنه هذه المرة وخلال الخطاب الأول لبينيت في الأمم المتحدة لاقى الخطاب اهتمامًا واسعًا من وكالات الأنباء العالمية حول ما صرح به بينيت إزاء تجاوز إيران الخط الأحمر، وكذلك الصبر الإسرائيلي!!
وعلى الرغم من أن الحديث عن الخطر الإيراني شائع في الخطاب الإسرائيلي في الأمم المتحدة، إلا أن ما جذب وكالات الأنباء العالمية هذه المرة هو رئيس الحكومة الإسرائيلي الجديد، الذي جاء خلفًا لنتنياهو الذي استمرت فترة ولايته الأخيرة 12 عامًا، وترقب موقف بينيت فيما يخص السياسة الخارجية لإسرائيل، وخاصة بعد أن صرح مصدر مسئول في الوفد المرافق له بأنه كتب خطابه بنفسه.
خطاب نتنياهو “بار إيلان”..عندما يتحدث صاحب “الخطابات القاتلة” عن السلام
خطاب بينيت الأول في الأمم المتحدة
كتبت: د/ عزيزة زين العابدين
تبنى بينيت في الكلمة الافتتاحية للخطاب الافتتاحية التقليدية للخطاب الإسرائيلي المتعالي، الذي يتبنى التقسيم الديكتومي “نحن” الأخيار، في مواجهة “هم” الأشرار، والذي أرسى قواعده مناحم بيجين في خطاباته القومية والحزبية، وذلك بزعمه أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، الذي شبهه تارة بـ “الغابة”، وتارة أخرى بـ “البحر الهائج”، حيث يقول: “إسرائيل هي منارة في قلب بحر هائج. شعلة ديمقراطية، متنوعة بشكل متعمد، مبتكرة بطبيعتها ومصممة على تقديم الكثير للعالم. لفترة طويلة، عُرفت إسرائيل بالحروب. مع جيراننا. لكن هذا ليس جوهر دولة إسرائيل… في الصباح ، عند التفكير في الصراع. يريد الإسرائيليون أن يعيشوا حياة كريمة وأن يبنوا عالمًا أفضل لأطفالنا.”.
كرس بينيت الجزء الرئيسي في خطابه عن إيران، والتي أصبحت محورًا رئيسًا في الخطاب الإسرائيلي المعاصر، الذي حفر مصطلح “الخطر الإيراني” في عقول المتلقي الإسرائيلي، وهو نفس المصطلح أيضًا الذي استعمله نتنياهو بحرفية شديدة في استراتيجيته الناجحة سياسيًا لترهيب الناخب الإسرائيلي، وحمله على انتخابه مراراًا وتكرارًا.
تحليل لغة الجسد في خطاب نتنياهو الأخير “خطاب الأكاذيب”
استعمل بينيت نفس الاستراتيجية الترهيبية عندما قال: “إسرائيل محاطة حرفيًا بحزب الله والمليشيات الشيعية والجهاد الإسلامي وحماس. المنظمات الإرهابية التي تسعى للسيطرة على الشرق الأوسط ونشر الإسلام المتطرف في جميع أنحاء العالم، وهي تتلقى التمويل والتدريب والأسلحة من إيران. هدف إيران الأكبر واضح للجميع، لكل من يفتح عيناه: إيران تسعى جاهدة للسيطرة على المنطقة وتسعى جاهدة للقيام بذلك تحت مظلة نووية”.
واستمرارًا لترهيب الغرب من “الخطر الإيراني” أضاف بينيت أنه في حالة عدم إيقاف إيران لن يتوقف الأمر على الشرق الأوسط كما أثبتت التجربة، فيقول: “سبق لإيران أن استخدمت هذه الطائرات المقاتلة المسماة شهد 136 لمهاجمة السعودية وأهداف أميركية في العراق وسفن مدنية في البحر وقتلت مدنيًا بريطانيًا ورومانيًا، وتبين لنا التجربة أن ما يبدأ في الشرق الأوسط لا ينتهي عند هذا الحد”.
وأضاف بينيت أنه: “لقد أشرف إبراهيم رئيسي، رئيس إيران الجديد، على قتل أطفال إيرانيين، ولقبه “جلاد طهران”، لأن هذا بالضبط ما فعله- ذبح شعبه. هذا هو الشخص الذي نتعامل معه”. كما أكد بينيت في موضع آخر على سعي إيران للسيطرة على الشرق الأوسط من خلال تطوير سلاحها النووي، قائلاً: “في السنوات الأخيرة قفزت إيران في مجال البحث والتطوير النوويين، في قدراتها الإنتاجية وفي مجال التخصيب.”.
رئيس الحكومة الإسرائيلي الذي أُغتيل أثناء خطابه الأخير
يستمر بينيت في تبني موقف إسرائيل تجاه إيران، وهو إعلان عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، فيقول: “هناك أدلة تثبت بوضوح نية إيران لإنتاج أسلحة نووية في مواقع سرية في تركواز وطهران وماريبان، لكن يتم تجاهلها. لقد وصل برنامج إيران النووي إلى حد فاصل وكذلك وصل صبرنا. الكلمات لا توقف دوران أجهزة الطرد المركزي. في العالم هناك من يبدو أنهم يرون أن سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية حقيقة لا مفر منها، أو ببساطة سئموا من سماع ذلك. إسرائيل لا تملك هذه الكماليات. لن نكل ولن نسمح لإيران بامتلاك أسلحة نووية”.
وأضاف: “إيران أضعف بكثير وأكثر عرضة للخطر مما نتخيل. اقتصادها ينهار، ونظامها فاسد ومنفصل عن جيل الشباب، والحكومة الفاسدة تفشل حتى في توفير المياه لأجزاء كبيرة من البلاد. وكلما أصبحوا أضعف، فإن الحكومة الفاسدة تصبح أكثر تطرفًا. إذا حاولنا التفكير معًا، وإيقاف هذا الشيء، وإذا استخدمنا كل ما لدينا من حيلة، فيمكننا الفوز، وهذا ما سنفعله”.
استعمل بينيت استراتيجية الترهيب لحمل المواطن الإسرائيلي على التمسك بحكومته، وعدم الانسياق وراء الاستقطاب السياسي، الذي عده وباء يهدد نسيج المجتمع مثله مثل فيروس كورونا، مشيرًا في الجزء الأول من خطابه إلى أن: “هناك وباءان يهددان نسيج المجتمع: الأول هو الكورونا الذي أودى بحياة أكثر من خمسة ملايين شخص على مستوى العالم. والثاني يهدد العالم الذي نعرفه وهو مرض الاستقطاب السياسي”.
وشدد على أن: “الدول المنقسمة من الداخل ليس لها مستقبل. في إسرائيل، بعد أربع انتخابات في غضون عامين وإمكانية إجراء انتخابات أخرى للمرة الخامسة، يشعر الناس ببعض السلام: الهدوء والاستقرار. محاولة حقيقية للطبيعية السياسية.”.
استراتيجية التسويق السياسي: خطاب هرتزل في المؤتمر الصهيوني الأول
كما شبه الوضع السياسي غير المستقر في إسرائيل بالهاوية؛ وبالتالي فإن حكومته هي الضمانة الوحيدة للوصول بالبلاد إلى بر الأمان، قائلاً: “هناك لحظات يجب أن يتولى فيها القادة القيادة قبل الهاوية مباشرة، ويواجهون النقد ويقودون البلاد إلى شاطئ آمن. منذ حوالي مائة يوم، شكلت أنا وشركائي حكومة جديدة في إسرائيل. هذه هي الحكومة الأكثر تنوعًا في تاريخنا. ما بدأ كخطأ سياسي يمكن أن يصبح الآن هدفًا، هذه هي الوحدة “.
يتوجه بينيت للغرب المسيحي الذي يؤمن بالعهد القديم كجزء من العهد الجديد، عن طريق الإشارة إلى كون “إسرائيل” هي نور للأغيار، وهو المصطلح الذي ورد في سفر إِشعياء، والذي يعبر عن الرسالة العالمية لـ “شعب إسرائيل” كونه المرشد الأخلاقي والروحي للعالم بأسره، وهو الأمر الذي تمارسه- بحسب قوله- منذ إقامة الدولة الصهيونية عام 1948، فيقول: “لا يزال أمامنا أفضل الأيام. إسرائيل أمة ذات أمل كبير، أمة جلبت تقليد التوراة إلى الحياة في إسرائيل الحديثة، أمة ذات روح لا تنكسر. القليل من الضوء يصد الكثير من الظلام. هي المنارة في قلب البحر العاصف ترتفع إلى أعلى وتقف شامخة وتضيء بنورها أكثر من أي وقت مضى”.
وعبر بينيت عن أهمية هذه الزيارة قبل مغادرته إلى الولايات المتحدة، عندما قال: “إن هذه مرحلة دولية مهمة، وأنا سعيد جدًا بإتاحة الفرصة لي لإيصال صوت إسرائيل والإسرائيليين إليها. هذه فرصة لسرد قصتنا عن مكانة إسرائيل في المنطقة، والروح الخاصة للإسرائيليين ومساهمتنا في العالم”.
في خطاب بينيت الأول في الأمم المتحدة، يمكننا القول بعدم وجود تغير ملموس في التوجهات في السياسة الخارجية لإسرائيل، وكذلك من حيث التأرجح بين اللين والشدة، وهو الأمر الذي اعتدنا عليه في الخطابات الإسرائيلية ذات الطابع الدولي، حيث لم يختلف خطاب بينيت كثيرًا عن خطاب نتنياهو، وإن اتسم بالهدوء النسبي مقارنة بخطاب نتنياهو شديد اللهجة، الذي كثيرًا ما يصاحبه خرائط أو وثائق. وإن كان هذا الخطاب لا يمكن اتخاذه مؤشرًا للحكم على خطاب بينيت، إلا أنه يمكننا من خلاله تكوين أطر للصورة التي سوف تبدو عليها السياسة الخارجية لإسرائيل خلال حكم بينيت.