مشهد رأسى
جهنم وهى تستعر، ويعلو “لهيبها”، ويصم الأذان فحيحها، وفى وسط المشهد يظهر ما يشبه التاجٌ الذهبى السائل على جبهة مُتفحمة لـ فرعون موسى.
مشهد أفقى
أجنحة لملائكة العذاب “تغمس” رأس الفرعون فتغوص سبعون ذراعاً فى النار، وشخوصٍ كثيرة يصترخون فيها، وماءٍ حميمٍ يُقطع أمعاء بعضهم، وفى جزءٍ من المشهد يظهر خزنة جهنم وهو يقتادون “أمةً” جديدة من “الأشقياء” إلى الجحيم مًسلسلين فى القيود، تلفح وجوههم النار فيعلو صريخهم، وما أن تتقابل “الأمم” حتى يتلاعنون فيها، ويتشابكون.
فجهنم دار القرار لهم، عذابها هو العذاب، وقد وعدهم الله بالخلود فيها، فلا يقضى عليهم فيموتوا، وما هم عنها بمخرجين، وبعد أن تُناد ملائكة العذاب على أسماءهم، يتفرقون فى درك النار أسفلها، وأوسطها، وأقربها كلٌ وجرمه، إلا أن فرعون موسى مازال وحيداً فى دركه، فلم يسبقه إلى تلك المنزلة فى النار أحدٌ، ولم يلحقه!!..فهو من قال لقومه “أنا ربكم الأعلى” فاتبعوه، واستخفهم فأطاعوه!!..وأمرهم بالسير فى الماء فاتبعوه!!..وعندما استغاثهم ما “نفعوه”!!..
(ملائكة العذاب تقتاد “شقياً” إلى درك فرعون، فتدفعه دفعاً حتى يسقط تحت أقدام فرعون موسى المُكبلة، وينصرفون)
فينظر فرعون موسى إليه شزّراً، ويركله بعيداً، ونظرات الدهشة ترتسم تجاعيد وجهه المُتفحمة فهو من هو فى النار، فكيف لمخلوق بعده أن ينال مرتبته وهو الفرعون الاله!!..
• من أنت أيها الشقى، وأى جرمٍ فعلت لتصل إلى مقامى فى الجحيم..
• “أسمى” شارون..لم أقترف جرما..عله تشابه أسماء!!..
• يا سلام!! ومع من يتشابه اسمك يا هذا!!..فهنا لا مكان لتلك المهاترات..فهم يعلمون عنا ما لا نعلمه عن أنفسنا..لا مجال هنا للخداع والمراوغة، فقد حاولت قبلك ولم أفلح..فجلدى اللعين هذا شهد علىّ، وكذا قدماى اللعينتين هاتين، ويداى أنطقهم الله ليكونوا علىّ حجة..ووجودك معى فى هذا الدرك يعنى أنك فعلت ما يرقى لفعلى..هل ادعيت مثلى أنك إله قومك تُحييهم وتُميتهم أم ماذا فعلت بحق الجحيم الذى يستعر فى وجهك..
للمزيد إقرأ أيضًَا:
• قلت لك لم أفعل شيئاً..فأنا لم أفعل إلا ما أمرتنى به تعاليم السماء !..فنحن أمةً “مُختارة” دون الأمم..وخلق الله ما دوننا ليكونوا لنا خدماً، ولنار “معابدنا” حُطاماً..فما هم إلا “صراصير” و”جرذان”..فهل يُعاقب الانسان إذا ما حطم رأس صُرصارٍ أو أضرم النيران فى أجساد جيرزانٍ تؤرق عيشه، وتُريد أن تُشاركه فى أرضه المُقدسة!!..فلقد اتبعت تعاليم التوراة والتلمود، وكُنت أجتهد فى تفسيرها، ويوم رفعنى “ياهوه” على عرش “أورشليم” المُباركة، تقربت إليه بدماء “الأغيار” لأُفسح الأرض لبنى اسرائيل شعب “الله” الذى اختاره على العالمين..والذى أرسل فيهم “كليمه” موسى..ماذا فعلت إذاً..ماذا فعلت..-يعلو صراخه-..أخرجونى من هنا..أريد الخروج..
• اهدأ أيها اللعين..-وهو يفوح اللهب من وجهه فتتناثر شظاياه من فمه- إذا أنت من اتباع موسى بنى اسرائيل!!..عظيم..موسى الذى بعثه الله فيكم ليدعو فرعون مصر..-وينقض فرعون ممسكاً برقبة شارون-..ألم يكف موسى ما فعله بى حياً..حتى يرسل لى أتباعه ميتاً..سأقتلك..سأقتلك..
• ليتك تفعل أو تقدر فأنت تعلم أن لنا فى النار حياة بلا موت!! ليتك تفعل فتريحنى من فحيح النار التى أصمت أُذناى..ليتك تفعل..
• ولكن أنى لبنى اسرائيل أن تكون لهم مملكة، وقد فروا منى مُدبرين، وأنا أُطهر بلادى من دنسهم!!..أأغرقنى الله لتُقيموا من بعدى ممالك مُجاورة.. يالا العار والخزى..
• أأغرقك الله وأنت تعدوا وراءنا؟!..من أنت..أأنت الفرعون اللعين؟!!
• نعم أنا أيها الحقير!!..وحق علىّ العذاب بمرافقة “ذنبٍ” مثلك لتذكرنى فى كل ساعة بخزى وعارى!!..
• أنت أيها الفرعون اللعين من قتلت أبنائنا..واستحييت نساء بنى اسرائيل..وكُنت علينا قادراً..-يحلق فى عينيه فى إصرار- لقد رددت لك الصاع صاعين!!..فلقد قتلت بيداى هاتين الألاف ممن ينتمون إلى بنى جلدتك..بل أمرتهم بأن يحفروا قبورهم بأييدهم!!..وقد داست قدماى هاتين أرضك..وضممت منها إلى أرضى!!..انتقاماً لأجدادى الذين استعبدتهم..ودمائهم التى سالت على سيوف جندك!!..
• أيها الحقير..كيف تجرؤأ؟!
• وكيف جرأت أنت على فعلتك التى فعلت قبلى؟!!
وما زال فرعون وشارون يتلاعنان فى النار حتى ضربت ملائكة العذاب وجوههم وأدبارهم، فيعلوا صُراخهم، ويُصب عليهم من الحميم فتخفت أصواتهم حتى تختفى..
-2-
فرعون وشارون عائديين إلى دركهما الأسفل، وسط رنين القيود، والمقامع التى تحيط بمعاصمهم وأرجلهم، وقد جلسا القرفصاء مُتقابلين فى مقرهما الدائم فى جهنم..ينظران فى عيون بعضهما البعض، وقد سالت من العيون مياه تغلى، فأجهش كلاهما بالبكاء، وتعالت أصواتهم بالنحيب..ووسط شعورٍ بالندم على ما اقترافت ايديهم فى حق عباد الله، وكيف أنهم أدعوا لأنفسهم سلطة على الرقاب لا تكون إلا لخالق، وليس لمخلوق ضعيفٍ مثلهم!!..
فيعترفا كلاهما بذنبه،،
شارون: لم افعل ما فعلت اتباعاً لتوراةٍ أو تلمود إنما فعلته تقرباً إلى شارون!!..نعم..فأنا لم أعبد فى حياتى، ولم أتعبد إلى إلىّ!!..أُقدسنى، وأرجو رضائى!!..
فلم تحدثنى نفسى يوماً إلا بإثم!!..ولم أفعل إلا خطيئة!!..
فأى توراةٍ هذه التى تتدّعى على لسان “خالق” ازدراءه لبعض خلقه!!
وأى تلمودٍ هذا يأمر بسفك الدماء، والتقرب إلى الله “بجماجم” من خلق!!
أى جنونٍ يدفعنى لأن أدك “مُخيماتٍ” تؤوى من طردتهم من أرضهم، ولم أكتفى بذلك فطردتهم من أرض “ياهوه” إلى الأبد!!..ولو كان “ياهوه” عاجزٌ فيهم، ويستخدمنى للتخلص منهم، فلما خلقهم إذاً؟!!.. وما ذنب الأطفال الذين جعلتهم يرون أشلاء أبائهم إرباً تتقاذفها الأرجل الهاربة برؤوسها!!..
وما ذنب الأسير الذى وئدته حياً فى أرضه التى اغتصبتها بجبروتى، وخستى!!..ولو كان “ياهوه” هو من يأمر بذلك فهو ليس إلاهاً، وإنما شيطاناً مريداً يدعو إلى الدمار والقتل!!..
ولكننى كنت أتلذذ بصرخات من اقتادهم إلى المذبح!!..فأنا لم أنتقم لأجدادى كما زعمت..بل حققت مشيئة “الشيطان” فى دنيا البشر!!..فاستخدمنى لإفساد الأرض، وهدانى السبيل ثم تركنى لأتفنن فى وسائل القتل، والتعذيب لمخلوقات هى الأن أكرم منى وأشرف!!..
فرعون: أما أنا فضحية فرعون الإله!!..فلم يكن أبى إلاهاً..وعندما تقلدت حكم مصر كُنت خليفةً لأجدادى الفراعين الذين دفنت أجسادهم، ورأيت قبورهم!!..
وعندما تقلدت الحُكم رفعنى شعبى على العرش، وخروا لى سجداً!!..
وسمعت “ترانيمهم” تُمجدنى، وتُسبح بحمدى أناء الليل وأطراف النهار!!
سئلونى “المغفرة”..و”نزهونى” عن الخطأ!!
ملكونى “رقابهم” ولم يسألونى “حقها”!!
جعلوا “أجسادهم” لأقدامى مطية!!
وعندما “تألهت” عليهم، بنوا لى صرحاً لعلى أبلغ الأسباب!!
ولما أدعيت أنى قتلت إله موسى “رفعونى على الأعناق”!!
ولما كان “يوم الزينة”..كذبوا أعينهم وأقسموا “بعزتى” أنهم لغالبين!!
ولما قلت لهم لا أعلم لكم إلهاً غيرى “خضعت أعناقهم” لى ساجدين!!
وعندما أمرتهم بعبور الماء بأقدامهم كانوا لى إلى الغرق “سابقين”!!
فأنا لست إلا ضحية لحاشيتى الذين لم أراهم إلا لى “مادحين”!!..ولو كانوا أهل عزمٍ وعقدٍ حقاً لكانوا لى من النار “مُحذرين”!!
وها أنا أرسل لجُندى وبنو وطنى رسالة من باطن الجحيم:
لقد “ألهتونى” من دون الله،، “فاستجبت” لكم!! ولم تغنوا عنى من عذاب النار شيئاً رغم “صفيقكم”!! ولعلكم لعنتموننى بعد موتى مع “اللاعنين”!! ولعلكم كُنتم لخلفائى الفراعين دون الله أيضاً ساجدين!!..فيا لشقائى بكم!!..وشقاء من يأتى بعدى إذا ما زلتم لطرفكم عن الحق “مُغمضين”!!..
ولو قومتمونى، ورددتمونى إلى الحق..لكنتم لى حقاً “مُكرمين”!!..
ولو كان “حبكم” لى صادقاً لما كنتم لى إلى جهنم “موردين”!!..
بقلم الكاتب والباحث الاقتصادي
د. علي زين العابدين قاسم