أدب الهسكلاه
يعد أدب الهسكلاه محاكاة يهودية لأدب التنوير الأوروبي، والهسكالا (باللغة العبرية השכלה) هي حركة تنوير يهودية، حيث بدأت الحركة بين يهود أوروبا في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر للميلاد، وقد دعت الحركة إلى تبني قيم عصر التنوير، والضغط على اليهود من أجل الاندماج في المجتمع الأوروبي، وزيادة التعليم في الدراسات العلمانية، واللغة العبرية والتاريخ اليهودي.
ويعد مصطلح الهسكالا علامة على بداية انخراط يهود أوروبا مع العالم العلماني، مما أدى في نهاية المطاف إلى إنشاء أول حركة سياسية يهودية من أجل التحرر اليهودي. ويدعى أنصار الحركة باسم مَسْكِلِيم (بالعبرية: משכילים).
يمكن الإشارة إلى عدد من السمات العامة التي تميز أدب الهسكلاه، والتي يمكن ايجازها في النقاط التالية:
سمات أدب الهسكلاه
1- دنيوية الأدب
في هذه المرحلة الحديثة صار الأدب الدنيوي الشاغل الأكبر، والهم الأول للأديب الذي يكتب بالعبرية، فلا يتعامل مع الموضوعات الدينية إلا لمامًا، بعد أن استمر الأدب الديني مسيطرًا على الساحة على امتداد التاريخ اليهودي القديم والوسيط، اللهم إلا شذرات قليلة من الأشعار والأناشيد الفلكلورية.
وهكذا فإن دنيوية الأدب العبري الحديث يشكل انقطاعًا لتيار طويل متصل بالغ الاتصال مع الأدب الديني البحت.
2- قدم اللغة وحداثة الموضوع
إذا كانت دنيوية الأدب العبري الحديث تضعه في مكان منفصل ومتميز عن الأدب القديم والوسيط، فإنه من العجيب أن تأتي عناصر ذلك الأدب الحديث وأدواته من لغة ورموز وصور ما سبق، حيث لم تشهد اللغة العبرية التحديث الذي يواكب مقتضيات التطور الأدبي المرجو، وربما يكون السبب في عملية إحياء العبرية في حد ذاتها.
فقد كفت اللغة عن أن تكون لغة حديث أو تخاطب لفترة تتجاوز الألفي عام، واقتصر استخدامها على الشعائر الدينية والصلاة في المعابد، وحين كثف أدباء العبرية جهودهم لإحيائها من سباتها العميق، لم يعمدوا إلى تحديثها أو تطويرها، بل هرعوا إلى كتاب العهد القديم ليستقوا منه اللغة والرموز والصور الأدبية أيضًا، بحيث عنَّ لهم في كثير من الأحيان استعارة جمل توراتية بأكملها لوضعها في نتاجهم الأدبي.
أبشع جريمة في تاريخ البشرية: قصة محظية اللاوي في العهد القديم
والحق أن هذا التمازج بين اللغة القديمة والموضوعات الحديثة، وربط الماضي بالحاضر، وإقامة الجسور بين الأوغل في قدمه والمغرق في حداثته يشكل واحدًا من أعجب وأبهر الجوانب التي شهدها البحث الأدبي.
3- الإنسانية
كان الأدب في تلك المرحلة يناجي المبادئ الإنسانية العامة بصرف النظر عن الدين أو الجنس، فقد كان ينادي بأن تنبذ الجموع اليهودية تعصبها الشديد لتراثها الثقافي والاجتماعي والنفسي، وأن تقبل الآخر إذا كانت ترجو منه قبولاً، وأن تتعامل مع الشعوب الأخرى من منطلق إنساني لا غير.
تحميل كتاب دروس في اللغة العبرية القديمة لـ سلوى غريسة
وفي هذا الإطار نجد أدباء الهسكالا يوجهون سهام النقد والسخرية إلى الحسيديم وسكان الجيتو ودعاة الانعزالية، ويتهمونهم بأنهم المسؤولون عن تخلف الجماعات اليهودية ووضعها المزري بين الشعوب الأخرى.
4- التفاؤلية
حيث فاضت مشاعر المسكيليم بروح متفائلة بأن العالم سوف يقبلهم، وذلك بعد أن أصلحوا من أحوالهم، وعدلوا من سلوكياتهم، وغيروا نظرتهم إلى الشعوب الأخرى.
5- سيطرة النتاج الشعري
إذا كان أدب الهسكلاه قد اشتمل على كافة الأنواع الأدبية من شعر ونثر ونقد، إلا أن النتاج الشعري تغلب على النثر كمًا وكيفًا، فقد رأى المسكيليم أن الشعر هو أسهال الأنواع الأدبية وأقصرها وأسرعها للاستئثار بلب القارئ والتأثير فيه.
سبب حرق اليهود| لماذا أمر الحاكم بأمر الله بحرق اليهود؟
وقد بدأت مرحلة الهسكالاه بالشعر، وبالرغم من أن أبراهام مابو جاء بعد ذلك ليدخل الرواية، وأعقبه دايفيد فريشمان بالنقد الأدبي والاجتماعي، إلا أن الشعر كانت له اليد الطولى في ذلك العصر.
6- وصف الطبيعة الشرقية من منطلق توراتي، أو أوروبي
ذلك أن هؤلاء الأدباء لم يروا بلاد الشرق، فلا هم رأوا مصر أو فلسطين أو بابل، رغم تناولهم لهذه البلدان في نتاجهم، فإذا عنَّ لهم وصف طبيعة أي منها، كان عليهم العودة لكتاب العهد القديم لاستخلاص الصور التي وردت عليها هذه البلاد، فإذا عجزوا عن إيجاد ما يرجون، اتجهوا للطبيعة الأوروبية ليأخذوا منها صورًا لطبيعة الشرق.
أغرب أساطير اليهود “إسراء الحاخام شالوم شبازي” من اليمن إلى القدس: كوميديا “اليهود قادمون “
المصدر: زين العابدين محمود أبو خضرة، تاريخ الأدب العبري الحديث، القاهرة، 2000، ص 78- 80.