خطاب نتنياهو “بار إيلان”
خطاب نتنياهو “بار إيلان”: بعد مرور أكثر من عشرة أعوام على خطاب بار إيلان، والذي ألقاه بنيامين نتنياهو في جامعة بار إيلان في يوليو 2009، وأعلن فيه للمرة الأولى عن استعداده لقبول “دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جانب الدولة اليهودية”، نطرح التساؤل: هل يؤمن نتنياهو بالفعل بالدولة الفلسطينية كما قال في هذا الخطاب؟
على الرغم من أنه لا يمكننا استيفاء تحليل شامل لهذا الخطاب المهم في هذه السطور “خطاب نتنياهو في جامعة بار إيلان”، إلا أننا سوف نحاول إلقاء الضوء على الخطوط العريضة، التي يمكننا من خلالها فهم سياسة إسرائيل تجاه القضية الفلسطينية، والتي من وجهة نظري- لا تختلف باختلاف نغمة الخطاب، الذي يتأرجح بين الحدة واللين، بحسب الموقف الدولي والمحلي، والمصلحة التي يمكن أن يجنيها مرسل الخطاب من استخدامه استراتيجية اللين أو الحدة.
خطاب نتنياهو رد فعل على خطاب الرئيس الأمريكي أوباما في القاهرة
جاء خطاب نتنياهو “بار إيلان” كرد فعل على خطاب الرئيس الأمريكي أوباما في القاهرة في 4 يونيو 2009، والذي خاطب فيه العالم العربي قائلاً، من بين أمور أخرى، ” لا تعترف الولايات المتحدة بشرعية بناء المستوطنات الإسرائيلية المستمرة. هذا البناء ينتهك الاتفاقات السابقة ويقوض الجهود المبذولة لتحقيق السلام”.
الرؤية السياسية في “خطاب نتنياهو”
بعد عشرة أيام من خطاب أوباما، ألقى نتنياهو خطابًا سياسيًا في جامعة بار إيلان عبر فيه عن رؤيته السياسية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. في وسط الخطاب، عبر نتنياهو للمرة الأولى عن موافقته من حيث المبدأ على إقامة دولة فلسطينية مشروطة بنزع سلاح الفلسطينيين، واعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي.
أكد في خطابه أنه لن يقبل سوى دولة فلسطينية منزوعة السلاح إذا ظلت القدس العاصمة الموحدة لدولة إسرائيل، وأنه لن يقبل بوجود جيش للفلسطينيين، كذلك يجب أن يتنازل الفلسطينيون عن مطالبهم بعودة اللاجئين الفلسطينيين. كما أكد على أن لإسرائيل الحق في “النمو الطبيعي” في المستوطنات في الضفة الغربية، وسيتم تحديد وضعها النهائي فقط في المفاوضات. بشكل عام، نظر الجمهور إلى خطاب نتنياهو في بار إيلان على أنه تحول مهم فيما يتعلق بالمواقف تجاه عملية السلام التي أظهرها من قبل.
للمزيد إقرأ أيضًا:
- انتشار رسم جرافيتي لـ “هتلر” بالقرب من قبر حاخام يهودي في أوكرانيا
- الرئيس الإسرائيلي يناشد نظيره الروسي بالإفراج عن الفتاة المتهمة بحيازة المخدرات نعمى يساسكر
- جنرال في الجيش الإسرائيلي: كارثة حرب 73 ليست بشيء مقارنة بالحرب القادمة
استهدف خطاب نتنياهو “بار ايلان” العديد من الأطراف-كعادته- فهو غالبًا ما يستهدف الناخب الإسرائيلي، ومركز الليكود، والرأي العام الأمريكي، والإدارة الأمريكية، والمجتمع الدولي، واستطلاعات الرأي. لكن الأمر الجديد في هذا الخطاب، هو توجهه لعدة فئات من العرب؛ تارة إلى الفلسطينيين، ومرة إلى القادة العرب، الذين دعاهم إلى التحدث عن السلام، وحينًا إلى رواد الأعمال العرب، الذين دعاهم إلى الاستثمار في إسرائيل ومساعدة فلسطين وإسرائيل في دعم الاقتصاد.
المحاور الرئيسية لـ خطاب نتنياهو “بار إ]لان”
دار خطاب نتنياهو “بار إيلان” حول عدد من المحاور الأساسية، هي: الخطر الإيراني، والوضع الإقتصادي الداخلي، والسلام مع العرب كمدخل للسلام مع الفلسطينيين.
المحور الأساسي في هذا خطاب نتنياهو “بار إيلان” هو الدعوة “الظاهرية” للسلام، وإلقاء اللوم على الفلسطينين في عدم دفع عملية السلام، أو كما دعا في أحد خطاباته في الأمم المتحدة القادة الفلسطينيين إلى عدم التفاوض على التفاوض. وهو الأمر الذي أكد عليه في أكثر من خطاب، وخاصة في خطابه في الأمم المتحدة في سبتمبر 2011، الذي قرر فيه أن ما يقوله وفقط هو “الحقيقة”، والتي كررها عشر مرات في فقرة واحدة.
حيث قال : “اليوم آمل أن يضيء نور الحقيقة، ولو لبضع دقائق فقط، في قاعة كانت لفترة طويلة مكانًا مظلماً لبلدي. بصفتي رئيس حكومة إسرائيل، لم أحضر إلى هنا لكي أحظى بالتصفيق. جئت إلى هنا لأقول الحقيقة. الحقيقة هي- الحقيقة هي أن إسرائيل تريد السلام. الحقيقة هي أنني أريد السلام. الحقيقة هي أنه في الشرق الأوسط في جميع الأوقات، ولكن بشكل خاص خلال هذه الأيام المضطربة، يجب أن يرتكز السلام على الأمن.
الحقيقة هي أنه لا يمكننا تحقيق السلام من خلال قرارات الأمم المتحدة. وإنما فقط من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين. الحقيقة هي أن الفلسطينيين رفضوا التفاوض حتى الآن. الحقيقة هي أن إسرائيل تريد السلام مع دولة فلسطينية، لكن الفلسطينيين يريدون دولة دون سلام. والحقيقة هي أنه يجب عليكم ألا تسمحوا بحدوث هذا”.
ومن أجل دعم هذه الرؤية الإسرائيلية للسلام، استخدم نتنياهو العديد من الاستراتيجيات التي تلقى قبول لدى المتلقي، مثل ذكر بعض الاسماء المشهورة بهذا النهج “السلام”، عندما ذكر أنه يسير على خطى مناحم بيجين وأنور السادات، ومن أنه يواصل طريق اسحاق رابين، على الرغم من أنه- كما يرى قطاع كبير في إسرائيل- قاتل رابين من خلال التحريض عليه، وانتقاداته لرابين بعد اتفاقية اوسلو معروفة وموثقة.
كذلك، ولأنه دائمًا ما يتوجه للناخب اليميني المتطرف، الذي يعتمد عليه في حسم الانتخابات، استعمل مفردات مشتقة من العهد القديم، عندما قال: ” وسوف نستثمر طاقتنا نحن وأنتم في المعاول والمناجل بدلاً من السيوف والرماح”، والتي اقتبس معناها من قول إشعياء في (إشعياء 2: 4): ” فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِل”. وقد جاءت هذه الفقرة فيما يعرف بنبؤة إشعياء لآخر الزمان، وبقية الفقرة تصف السلام الذي يسود العالم في آخر الزمان: “لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْد”. وهو بهذا أيضًا يتوجه بجانب المتدين اليهودي، إلى الفرد المسيحي الذي يؤمن بالعهد القديم كجزء من الكتاب المقدس المسيحي.
نص خطاب نتنياهو “بار إيلان” بالكامل
خطاب نتنياهو “بار إيلان”
أيها الضيوف الكرام، مواطني إسرائيل،
كان السلام دائما روح شعبنا. لقد غرس أنبياءنا رؤية السلام في العالم، ونحيي بعضنا البعض بسلام، وتنتهي صلواتنا بسلام. نحن الليلة في قلب اسمين لزعيمين شقا طريق السلام- مناحيم بيجن وأنور السادات- ونحن نشارك رؤيتهم.
قبل شهرين ونصف، أديت يمين بالولاء في الكنيست رئيسًا لحكومة إسرائيل. وعدت بأن أقوم بتشكيل حكومة وحدة وكذلك فعلت. آمنت وأؤمن أننا في حاجة إلى الوحدة اليوم أكثر من أي وقت مضى لأننا نواجه ثلاثة تحديات ضخمة: التهديد الإيراني، الأزمة الاقتصادية ، ودفع عملية السلام.
لا يزال التهديد الإيراني أمامنا كما أصبح واضحًا أمس بكامل قوته. إنه الخطر الأكبر على إسرائيل، على الشرق الأوسط، وعلى البشرية جمعاء، هو نقطة الالتقاء بين الإسلام المتطرف والسلاح النووي. ناقشت ذلك مع الرئيس أوباما في زيارتي لواشنطن وسأناقش ذلك مع زعماء أوروبا الأسبوع المقبل. كنت أعمل لسنوات بلا كلل لبناء جبهة دولية ضد تسليح إيران بالسلاح النووي.
في مواجهة الأزمة الاقتصادية تصرفنا على الفور لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الإسرائيلي. لقد مررنا في الحكومة الميزانية لفترة سنتين، وسوف نمررها قريباً في الكنيست.
التحدي الثالث، المهم للغاية في مواجهتنا اليوم، هو تعزيز السلام. تحدثت أيضًا عن هذا الأمر مع الرئيس أوباما، وأنا أؤيد بقوة فكرة السلام الإقليمي الذي يقوده. أشاطر رئيس الولايات المتحدة في رغبته في تحقيق حقبة جديدة من المصالحة في منطقتنا. ولتحقيق هذه الغاية التقيت أولاً بمبارك في مصر وبالملك عبد الله في الأردن لمساعدة هؤلاء القادة في محاولة توسيع دائرة السلام من حولنا. إنني أتوجه من هنا إلى قادة الدول العربية وأقول: هيا نلتقي. دعونا نتحدث عن السلام. دعونا نصنع السلام. أنا مستعد لمقابلتكم في أي وقت. أنا مستعد للمجيء إلى دمشق والرياض وبيروت- وإلى أي مكان.
إنني أدعو الدول العربية إلى التعاون مع الفلسطينيين ومعنا لتعزيز السلام الاقتصادي. أريد أن أوضح: السلام الاقتصادي ليس بديلاً عن السلام السياسي، لكنه عنصر مهم للغاية في تحقيقه. يمكننا معًا تقديم المشروعات التي تتغلب على النقص منطقتنا، مثل: تحلية المياه، أو التي تستغل مميزاتنا هنا، مثل: استغلال الطاقة الشمسية، أو استغلال موقعنا الجغرافي لنشر خطوط أنابيب الغاز أو النفط، أو خطوط النقل التي تربط إفريقيا بآسيا، وآسيا بأوروبا. معًا يمكننا أن نحقق إنجازات ريادة الأعمال المذهلة التي أراها في الخليج الفارسي. إنه لأمر يدهش العالم كله، ويثير إعجابي أيضًا.
إنني أدعو رواد الأعمال الموهوبين في العالم العربي إلى الاستثمار هنا ومساعدة الفلسطينيين ولنا في دعم الاقتصاد. يمكننا معًا تطوير مناطق صناعية توفر آلاف فرص العمل ومواقع سياحية تجذب ملايين يرغبون في السير عبر أغوار التاريخ – الناصرة وبيت لحم، أسوار أريحا وأسوارالقدس، وشاطيء بحيرة طبرية وموقع الغوص في نهر الأردن. هناك إمكانات سياحية أثرية هائلة هنا، إذا كان بإمكاننا فقط التعاون، في تطويرها واستغلالها.
إنني أتوجه إليكم، جيراننا الفلسطينيين، تحت قيادة السلطة الفلسطينية: دعونا نبدأ المفاوضات على الفور، دون شروط مسبقة. إن إسرائيل ملتزمة بالاتفاقيات الدولية وتتوقع من جميع الأطراف الأخرى الوفاء بالتزاماتها. نريد أن نعيش معكم في سلام وجيرة طيبة. نريد ألا يرى أطفالنا وأطفالكم حربًا بعد الآن- ألا يعرف الآباء والأبناء والأخوة حزن الثكل مرة أخرى؛ أن يحلم أطفالنا بمستقبل أفضل ويحققونه؛ وسوف نستثمر طاقتنا نحن وأنتم في المعاول والمناجل بدلاً من السيوف والرماح.
إنني أعرف خوف الحرب. شاركت في المعارك. فقدت أصدقاء طيبون سقطوا فيها، فقدت أخي. رأيت آلام العائلات الثكلى. لا اريد حرب. والشعب في إسرائيل لا يريد حرب.
إذا تشابكت أيدينا وعبرنا سويًا بسلام، فلن يكون هناك حدود للازدهار والتنمية التي يمكن أن نحققه لشعبينا- في الاقتصاد، والزراعة، والتجارة، والسياحة، والتعليم- وقبل كل شيء القدرة على منح جيلنا الشاب مكانًا جيدًا للعيش فيه، وحياة سالمة، مليئة بالاهتمام والإبداع، بأفق مليء بالفرص والأمل.
إذا كانت مميزات السلام واضحة للغاية، يجب أن نسأل أنفسنا لماذا لا يزال السلام بعيدًا عنا، رغم أن أيدينا ممدودة؟ لماذا يظل هذا الصراع لأكثر من 60 عامًا؟ لوضع نهاية للصراع، يجب إعطاء إجابة حقيقية وصادقة على السؤال: ما هو أصل الصراع؟
في خطابه في المؤتمر الصهيوني في بازل حول الرؤية العظيمة لوطن قومي للشعب اليهودي، قال عراب الدولة بنيامين زئيف هرتزل: “هذا شيء عظيم لدرجة، أننا لا يجب أن نتحدث به إلا بأبسط الكلمات”. أود اليوم أن أتحدث عن التحدي الكبير للسلام بأبسط الكلمات، على مستوى العين. حتى عندما ننظر إلى الأفق، يجب أن تكون أقدامنا مرتبطة بأرض الواقع، وللحقيقة. والحقيقة البسيطة هي أن أصل الصراع كان ولا يزال في رفض الاعتراف بحق الشعب اليهودي في دولة خاصة به في وطنه التاريخي.
في عام 1947، عندما اقترحت الأمم المتحدة خطة تقسيم لدولة يهودية ودولة عربية، رفض العالم العربي بأسره القرار، في حين استقبله اليشوف اليهودي بالرقص والفرح، وكان الرفض العربي لأي دولة يهودية كانت، ضمن أي حدود. إن من يعتقد أن العداء المستمر تجاه إسرائيل هو نتيجة وجودنا في الضفة الغربية وغزة، يتأرجح بين السبب والنتيجة.
بدأت الهجمات علينا في العشرينات من القرن الماضي، وأصبحت هجومًا شاملاً في عام 1948 مع إعلان الدولة، واستمرت مع هجمات الفدائيون في الخمسينيات، وبلغت ذروتها عام 1967 عشية حرب الأيام الستة، في محاولة للف حبل المشنقة حول رقبة دولة إسرائيل. حدث كل هذا لمدة 50 عامًا تقريبًا قبل وجود جندي إسرائيلي واحد في الضفة الغربية.
من دواعي سرورنا، خرجت مصر والأردن من دائرة العداء هذه. حيث وضع التوقيع على معاهدات السلام حدًا لمطالبهم من إسرائيل ونهاية للصراع معهم، جلب السلام. لكن لسوء الحظ، ليس هذا هو الحال مع الفلسطينيين. فكلما اقتربنا من عقد اتفاق سلام معهم، يبتعدون عنه. ويعودون ويكررون الادعاءات التي لا تستوي مع الرغبة في إنهاء الصراع.
يخبرنا الكثيرون والطيبون أن الانسحاب هو مفتاح السلام مع الفلسطينيين. وعليه- انسحبنا. ولكن حقيقة الأمر هي، أنه قد قوبل كل انسحاب لنا بموجة كبيرة من إرهاب العمليات الانتحارية وآلاف الصواريخ. لقد جربنا الانسحاب باتفاق ودون اتفاق، الانسحاب الجزئي والانسحاب الكامل.
في عام 2000 ومرة أخرى في العام الماضي عرضت إسرائيل انسحاب شبه كامل مقابل إنهاء الصراع، وتم الرد بالرفض مرتين. لقد أخلينا قطاع غزة حتى آخر سنتيمتر، اقتلعنا عشرات المستوطنين وآلاف الإسرائيليين من منازلهم، وتلقينا في المقابل وابل من الصواريخ على مدننا، ومستوطناتنا وأطفالنا.
إن الادعاء بأن الانسحاب سيجلب السلام مع الفلسطينيين، أو على الأقل سوف يقربه، لم يصمد حتى الآن أمام اختبار الواقع. علاوة على ذلك، فإن حماس في الجنوب، مثل حزب الله في الشمال، يعودون ويعلنون أن نيتهم هي “تحرير” عسقلان وبئر السبع، وعكا وحيفا. لم تغير الانسحابات العداء.
وللأسف فإن المعتدلون بين الفلسطينيين أيضًا حتى الآن ليسوا على استعداد لقول الأمور البسيطة: أن دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وستبقى كذلك. لتحقيق السلام، يحتاج المرء إلى الشجاعة والاستقامة من كلا الجانبين، وليس فقط من الجانب الإسرائيلي. يجب أن تقوم القيادة الفلسطينية وتقول ببساطة: “لقد اكتفينا من هذا الصراع. نحن نغترف بحق الشعب اليهودي في دولته في هذه الأرض، وسوف نعيش بجوارك في سلام حقيقي”.
إنني أتمنى هذه اللحظة، لأنه عندما يقول القادة الفلسطينيون هذه الكلمات إلى شعبنا وشعبهم سوف يُفتح الطريق لحل جميع المشاكل الأخرى، مهما كانت صعبة. لذلك فإن الشرط الأساسي لإنهاء الصراع هو اعتراف فلسطيني علني ملزم وصادق بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي.
حتى يكون هذا الإعلان ذا أهمية فعلية، مطلوب أيضًا موافقة واضحة على أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين سوف تجد حلاً لها خارج حدود دولة إسرائيل. لأنه من الواضح للجميع أن المطالبة بتسكين اللاجئين الفلسطينيين داخل إسرائيل تتناقض مع استمرار وجود إسرائيل كدولة للشعب اليهودي.
يجب حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين- ويمكن حلها، كما أثبتنا بأنفسنا في حالة مماثلة. لقد نجحت إسرائيل الصغيرة في استيعاب مئات الآلاف من اللاجئين اليهود من الدول العربية الذين تركوا منازلهم بدون أي شيء. لهذا السبب يستلزم العدل والمنطق: أنه يجب حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود إسرائيل. هناك إجماع قومي واسع جدًا حول هذا الموضوع. إنني أؤمن أنه بالإرادة الطيبة، يمكن حل هذه المشكلة الإنسانية مرة واحدة وإلى الأبد.
لقد تحدثت حتى الآن عن ضرورة اعتراف الفلسطينيين بحقوقنا. سأتحدث على الفور عن حاجتنا إلى الاعتراف بحقوقهم.
يجب أن أقول مقدمًا: إن صلة الشعب اليهودي بأرض إسرائيل قد استمرت لأكثر من 3500 عام. يهودا والسامرة “الصفة الغربية”، الأماكن التي سار فيها إبراهيم، إسحاق ويعقوب، داود وسليمان، وإشعياء وإرميا، ليست بلدًا غريبًا عنا. هذه هي أرض أجدادنا.
لا ينبع حق الشعب اليهودي في إقامة دولة في أرض إسرائيل من سلسلة المصائب التي حلت بشعبنا. صحيح أنه منذ ألفي عام عانى اليهود معاناة رهيبة من الطرد، والمذابح، وسفك الدماء، والقتل – معاناة بلغت ذروتها في الهولوكوست والتي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الشعوب. يقول البعض أنه لولا حدوث الهولوكوست، لما نشأت دولة إسرائيل.
لكنني أقول إنه لو أن دولة إسرائيل قد أقيمت في الوقت المناسب، لما حدث الهولوكوست. توضح المآسي الناجمة عن عجز الشعب اليهودي سبب حاجة أمتنا لقوة وقائية سيادية خاصة بها. لكن حقنا في إقامة دولتنا هنا، في أرض إسرائيل، ينبع من حقيقة واحدة بسيطة: أن هذا هو وطن الشعب اليهودي، وهنا تكمن هويتنا.
وكما قال رئيس الوزراء الأول ديفيد بن جوريون عند الإعلان عن قيام الدولة: “في أرض إسرائيل قام الشعب اليهودي، والتي تشكلت فيها شخصيته الروحية والدينية والسياسية، والتي عاش فيها قيام المملكة، والتي خلق فيها الأصول الثقافية الوطنية والإنسانية، وأورث العالم بأسره كتاب الكتب “العهد القديم” الأبدي.”
ولكن يجب أيضًا قول الحقيقة هنا: في قلب مناطق الوطن اليهودي يعيش اليوم عدد كبير من الفلسطينيين. نحن لا نريد أن نحكمهم، ولا أن ندير حياتهم، ولا أن نفرض عليهم علمنا أو ثقافتنا. في رؤيتي للسلام يعيش في بلدنا الصغير شعبين حرين جنبًا إلى جنب، بحسن الجوار والاحترام المتبادل. لكل منهما علمه الخاص، نشيده الوطني وسلطته الحاكمة. ولا يهدد أحد منهم أمن ووجود جاره.
هاتان الحقيقتان- علاقتنا بأرض إسرائيل والسكان الفلسطينيين الذين يعيشون هنا- خلقت خلافات عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي. لكن الحقيقة هي، أنه لدينا الكثير من الوحدة أكثر من الخلاف. جئت هذا المساء للتعبير عن هذه الوحدة، ومبادئ السلام والأمن التي يوجد بشأنها اتفاق واسع في المجتمع الإسرائيلي، والتي هي أيضًا المبادئ التي توجه سياساتنا.
يجب أن تأخذ هذه السياسة في الاعتبار الوضع الدولي الذي نشأ مؤخرًا. يجب أن نعترف بهذا الوضع، ومع الالتزام الصارم بالمبادئ المهمة لدولة إسرائيل. لقد ناقشت بالفعل المبدأ الأول- الاعتراف. يجب أن يعترف الفلسطينيين اعترافًا حقيقيًا بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي.
المبدأ الثاني هو- نزع السلاح. في أي تسوية سلام، يجب نزع السلاح من الأراضي التي في حوزة الفلسطينيين، مع ترتيبات أمنية قوية لإسرائيل. بدون هذين الشرطين، هناك قلق حقيقي من قيام دولة فلسطينية مسلحة إلى جانبنا، ستصبح قاعدة إرهابية أخرى ضد إسرائيل، كما حدث في غزة. لا نريد صواريخ قسام على بتاح تكفا، صواريخ غراد على تل أبيب وصواريخ على مطار بن جوريون. نحن نريد السلام.
لذلك، من أجل تحقيق السلام يجب ضمان من بين أمور أخرى أن الفلسطينيين لن يكونوا قادرين على إدخال الصواريخ والقذائف إلى الأراضي “المحتلة”، أو إنشاء جيش، لخلق مجال جوي مغلق أمامنا أو إقامة تحالفات مع أطراف مثل إيران وحزب الله. في هذا الصدد أيضًا يوجد إجماع واسع جدًا بين الجمهور الإسرائيلي. لا يمكن أن نتوقع منا أن نتفق مسبقاً على مبدأ الدولة الفلسطينية، دون ضمان نزع السلاح من تلك الدولة. في مثل هذه المسألة المصيرية للغاية لوجود إسرائيل، يجب علينا أولاً تلبية احتياجاتنا الأمنية.
لذا فإننا نطالب اليوم أصدقاءنا في المجتمع الدولي، وبقيادة الولايات المتحدة، بالأمر اللازم والذي يتطلبه أمن دولة إسرائيل: التزام صريح بتسوية سلمية دائمة، وأن تكون الأراضي التي في حوزة الفلسطينيون منزوعة السلاح: أي، دون وجود جيش ودون سيطرة على المجال الجوي، مع إشراف فعال يمنع دخول الأسلحة إلى الأراضي- إشراف حقيقي، وليس ما يحدث في قطاع غزة اليوم.
وبالطبع لن يكون الفلسطينيون قادرين على إقامة تحالفات عسكرية. بدون ذلك عاجلاً أم آجلاً سيكون لدينا هنا حماسيون آخرون، ولذلك لن يمكننا الاتفاق. يجب أن تتحكم إسرائيل في أمنها ومصيرها.
لقد قلت في واشنطن للرئيس أوباما إنه إذا اتفقنا على الجوهر، فإن المصطلحات لن تكون مشكلة. وها هو الجوهر الذي أقوله هنا بصوت واضح وجلي: إذا تلقينا الضمان بنزع السلاح والترتيبات الأمنية اللازمة لإسرائيل، وإذا اعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، فسوف نكون مستعدين في تسوية سلمية في المستقبل للوصول إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جانب الدولة اليهودية.
جميع القضايا الرئيسية الأخرى التي سيتم مناقشتها في التسوية الدائمة رأي معروف فيها: تحتاج إسرائيل إلى حدود ذات حماية، وتظل القدس عاصمة إسرائيل موحدة، مع استمرار وجود حرية العبادة لجميع الأديان. سيتم مناقشة القضية الإقليمية في التسوية النهائية. حتى ذلك الحين ليس لدينا أية نية في بناء مستوطنات جديدة أو مصادرة الأراضي لتوسيع المستوطنات القائمة.
لكن من الضروري السماح للسكان بالعيش حياة طبيعية، والسماح للأمهات والآباء بتربية أطفالهم مثل أي أسرة في العالم. المستوطنون ليسوا أعداء الشعب وليسوا أعداء السلام. إنهم إخواننا وأخواتنا، الصابرا”اليهودي المولود في فلسطين” الطليعي. الصهيوني صاحب القيم، إن الوحدة ضرورية بيننا، وستساعدنا على التصالح مع جيراننا.
يجب أن تبدأ المصالحة اليوم من خلال تغيير الواقع على الأرض. أعتقد أن الاقتصاد فلسطيني قوي من شأنه أن يعزز السلام. إذا توجه الفلسطينيون للسلام – لمحاربة الإرهاب، ومساندة الحكومات وسيادة القانون، وتعليم أطفالهم من أجل السلام ووقف التحريض ضد إسرائيل- وسنبذل من جانبنا قصارى جهدنا للسماح لهم بحرية الحركة وحرية الوصول من أجل تسهيل حياتهم وزيادة رفاهيتهم. كل هذا سوف يساعد في دفع اتفاقية السلام بيننا.
لكن قبل كل شيء يجب على الفلسطينيين أن يختاروا بين طريق السلام وطريق حماس. يجب على السلطة الفلسطينية إصدار قانون ونظام في قطاع غزة للتغلب على حماس. لن تجلس إسرائيل حول طاولة المفاوضات مع إرهابيين يسعون لإبادتها. حماس ليست مستعدة حتى للسماح للصليب الأحمر بزيارة الجندي المخطوف جلعاد شاليط، الموجود في الأسر منذ ثلاث سنوات، معزولاً عن والديه، عن عائلته وشعبه. نحن ملتزمون بإعادته إلى بيته معافى وسالم.
مع قيادة فلسطينية محبة للسلام، ومشاركة في سلام العالم العربي، وبدعم من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، لا يوجد سبب يمنعنا من شق طريق السلام.
لقد أثبت شعبنا بالفعل أنه قادر على فعل ما لا يصدق. لمدة 61 عامًا- من خلال الدفاع عن وجودنا باستمرار- لقد فعلنا معجزات. تعمل الرقاقات المصنعة في إسرائيل على أجهزة الكمبيوتر في العالم، كما تجلب الأدوية الإسرائيلية الشفاء للأمراض المستعصية، وتزهر المقطرات الإسرائيلية المناطق القاحلة في العالم ويخترق الباحثون الإسرائيليون حدود المعرفة الإنسانية.
إذا أراد جيراننا فقط الاستجابة لدعوتنا- سيكون السلام في متناول أيدينا أيضًا. أدعو قادة العالمين العربي والفلسطيني: فلنواصل معًا في طريق مناحيم بيحين وأنور سادات، وطريق إسحاق رابين والملك حسين. دعونا ندرك رؤية إشعياء النبي، الذي دعا في القدس منذ 2700 عام: “لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ”.
بعون الرب، لن نعرف الحرب بعد الآن، وسنعرف السلام
“خطاب نتنياهو في جامعة بار إيلان” (خطاب نتنياهو)
بالتوفيق، تحليل رصين، ومقال أكثر من رائع.