سيدنا إبراهيم: متى عاش الخليل عليه السلام؟

متى عاش سيدنا ابراهيم عليه السلام؟

سيدنا إبراهيم: لم يقتصر الخلاف بين العلماء على موطن سيدنا إبراهيم عليه السلام

وأصله ونسبه، وإنما تعداه كذلك إلى العصر الذي عاش فيه. حيث يرى “أونجر” أن الخليل إنما قد عاش في الفترة ما بين (1261- 1986 ق. م)، ويرى أنه ولد في أيام الملك “أور- نامو” مؤسس أسرة أور الثالثة. وأنه هزم الملوك الخمسة الذين أسروا ابن أخيه لوط عند “دان” تل القاضي الحالية، ثم طاردهم حتى مجاورات دمشق، حوالي 2070 ق. م، ثم رزق بولده إسماعيل- جد العرب- حوالي عام 2061 ق. م، وأن حادث الفداء الفذ، إنما كان في عام 2026 ق. م، ثم مات عليه السلام في حوالي عام 1986 ق. م.

ويرى “آرثر ويجال” أن إبراهيم خرج من مصر على أيام امنمحات الأول، وأن الإشارة إلى أن الأسيويين في “نبؤة نفرتيتي”، إنما يقصد بها هذا الحادث بعينه، فإذا تذكرنا أن أمنمحات الأول قد حكم مصر في الفترة من (1991- 1962 ق. م)، وأن الخليل طبقًا لرواية التوراة كان في الخامسة والسبعين من عمره، حين هاجر من حاران إلى كنعان، ثم من كنعان إلى مصر بعد فترة إقامة لا ندري مداها على وجه التحقيق، فمعنى هذا أن الخليل عليه السلام قد ولد حوالي منتصف القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد.

عصر سيدنا إبراهيم

ويحدد أطلس “وستمنستر” التاريخي أن عصر سيدنا إبراهيم عليه السلام فيما عامي (2000- 1700 ق. م)، وأن حمورابي قد أتى في ختام هذه الفترة، على أساس أنه استطاع أن يستولي على “ماري” في عام 1700 ق. م، هذا في الوقت الذي حددت فيه موسوعة “وستمنستر” اعتمادًا على تقدير الأسقف يوشر مولد الخليل بعام 1996 ق. م.

كما يرى السير ليونارد وولي أن أبا الأنبياء إنما عاصر عصر “لارسا”، فيما بين (1920- 1700 ق. م)، مستشهدًا في ذلك بما دونه العهد القديم (التوراة)، وبتحقيق كلمة “عابيرو” التي يرى أنها قد استعملت في ذلك للدلالة على العبرانيين.

ويرى كيلر أننا إذا تتبعنا التواريخ التي أعطتها التوراة فإننا سوف نجد أن سيدنا إبراهيم قد ترك موطنه الأصلي في حاران قبل خروج بني إسرائيل من مصر حوالي 645 عام، ثم تجولوا في الصحراء في اتجاه الأرض المقدسة تحت قيادة موسى عليه السلام، في القرن الثالث عشر ق. م. وهذا التاريخ قد تأكد بواسطة علم الأثار، ومن ثم فإن سيدنا إبراهيم طبقًا لذلك، يكون قد عاش حوالي عام 1900 ق. م.

رحلة سيدنا ابراهيم إلى كنعان

وأما جورج روكس فيرى أن الرحلة التي قام بها سيدنا إبراهيم الخليل إلى كنعان قد تمت حوالي عام 1850 ق. م، أو بعد ذلك بقليل، وهذا يعني أن سيدنا إبراهيم عليه السلام قد ولد في الربع الأخير من القرن العشرين قبل الميلاد. ويحدد “جاك فنجان” عام 1900 ق. م، كتاريخ لدخول إبراهيم أرض كنعان، وأنه قد ترك ميزوبوتاميا في عصر الغزو الآموري والعيلامي، وأن الاضطرابات التي حدثت هي التي اضطرته إلى الرحيل من موطنه الأصلي.

للمزيد إقرأ أيضًا:

إلا أن هناك من يعين تاريخ سيدنا إبراهيم في زمن متوسط بين أوائل القرن الثامن عشر، وأوائل القرن التاسع عشر قبل الميلاد، ويجعلونه معاصرًا لدولة الرعاة الهكسوس فس مصر، ودولة العموريين في العراق، وأن ولادة الخليل في هذه الفترة ترجحها النتائج التي تمثلت في سيرته، عليه السلام، وكلها دلائل على تنازع السيطرة، وتنازع العقائد، واضطراب الأمور، والاضطرار إلى الرحلة الدائمة من أور إلى آشور، وإلى فلسطين ثم مصر، فبيت المقدس، ثم إلى صحراء الجنوب، وتقترن زلازل الطبيعة وزلازل السياسة ، فلا يستقر لأحد من المقيمين في ديارهم قرار، فضلاً عن القبائل الرحل في طلب المرعى وطلب الأمان.

العلاقة بين سيدنا إبراهيم وحمورابي

كما حاول فريق من العلماء الربط بين سيدنا إبراهيم وحمورابي الملك البابلي المشهور، بصلة من نوع ما عن طريق “أمرافل” ملك “شنعار”، الذي هزمه سيدنا إبراهيم عند محاولته إنقاذ ابن أخيه لوط عليه السلام، وهكذا رأى بعض الباحثين أن “أمرافل” الذي تقول عنه التوراة أنه “ملك شنعار في تلك الأيام”، هو “أمربال”، والد حمورابي الذي كان يجلس قبله على عرش بابل.

على أن فريقًا آخر إنما يرى أن “أمرابل” الذي حارب سيدنا إبراهيم عليه السلام، إنما هو حمورابي نفسه، أو على الأقل فيما يرى آخرون، ومنهم جاك فنجان وهربرت ويلز أن أبا الأنبياء إنما كان يعيش في نفس ذلك الوقت الذي كان يعيش فيه حمورابي في بابل، بل إن أستاذنا الدكتور نجيب ميخائيل إنما يؤرخ هذه المرحلة بعام 1960 ق. م، وهي فيما يرى تعاصر حمورابي، كما تعاصر كذلك “سنوسرت الأول” من الأسرة الثانية عشرة المصرية، ذلك لأن سيدنا إبراهيم قد عاصر حمورابي، كما عاصر سنوسرت الأول فأمنمحات الثاني على التوالي.

وهناك فريق ثالث، ومنهم لوثر كلارك، يرى أن عصر حمورابي متأخر زمنيًا عن عصر الوقائع التي تنسب إلى “أمرافل” بمائة سنة أو أكثر، وأن أمرافل وحمورابي لا يدلان على شخص واحد، وأن الغور العميق الذي تملأه أمواج البحر الميت أقدم جدًا من الوقت الذي قدر لخراب المدن المذكورة في قصة إبراهيم.

دمقي اليشو

على أن هناك فريقًا من الباحثين يحاول توحيد إبراهيم الخليل بـ “دمقي اليشو”، ذلك ل، “دويرتي” إنما يترجم “دمقي اليشو” بحبيب الله، من “المقة” بمعنى الحب، و “الإيل” بمعنى الله وضمير الإضافة، ثم جاء “جون فلبي” فظن أن هذا الاسم يطابق في الزمن والصفة اسم الخليل إبراهيم، وأن الخليل كان ملكًا من الملوك الذين حكموا جنوب العراق، عند الخليج العربي، وذلك لأن الأقوال متواترة بمقام الخليل هناك في أور الكلدانيين، ولأن اسم “دمقي اليشو” ورد في الأثار البابلية بين عدة ملوك يسمون بملوك الشاطئ، أو ملوك الأرض البحرية، وهو اصطلاح لهم يطلقونه على العرب من سكان تلك الجهات، وقد حدد “ديلابورت” لهذه الأسرة، أسرة أرض البحر، أو ملوك الأرض البحرية، الفترة ما بين (1935- 1761 ق. م).

هذه هي مختلف آراء الكثير من العلماء والباحثين الذين تعرضوا لتاريخ أبي الأنبياء، سيدنا إبراهيم عليه السلام، وأنه لأمر جد صعب، أن نفضل رأيًا على آخر، وذلك لعدم وجود نصوص نطمئن إليها أولاً، ولعدم وجود آثار تشير بوضوح إلى تاريخ الخليل ثانيًا، وأما السبب الثالث فإنه يتصل بذلك الرأي الذي حدد 645 عامًا، الفترة بين دخول إبراهيم كنعان، وخروج بني إسرائيل من مصر، إذ أن هذا الرأي إنما اعتمد على نص التوراة العبري، ولكننا في الوقت نفسه إذا أخذنا بنص التوراة السبعينية؛ فإن دخول إبراهيم إلى كنعان يجب أن يكون قبل الخروج بحوالي 430 سنة، وليس 645 سنة، إذ يضيف هذا النص السبتاجوني كلمة واحدة تختزل فترة إقامة بني إسرائيل في مصر إلى النصف.

وأما الآراءالتي حاولت الربط بين سيدنا إبراهيم وحمورابي، فيقف في طريقها ما استقر عليه العلماء الآن من أن حمورابي كان يعيش في الفترة (1728- 1686 ق. م)، فلو افترضنا أن إبراهيم كان يعاصر حمورابي على الأقل، وطبقًا لنص التوراة، العبري او السبعيني، فإن مدة إقامة الإسرائيليين في كنعان إنما كانت 215 سنة، وهذا يجعل تاريخ دخولهم إلى مصر في حوالي عام 1513 ق. م، وهو تاريخ يقع في أخريات أيام الملك المصري تحتمس الأول (1528- 1510 ق. م)، وبعد طرد الهكسوس حوالي 1575 ق. م من مصر، بأكثر من نصف قرن، والذين يفترض دخول الإسرائيليين مصر على أيامهم.

هذا فضلاً عن أنه على الرغم مما يذهب إليه بعض الباحثين من أن اسم أمرافل، قريب من اسم حمورابي، فإن الأمر ما يزال حتى الآن يصعب تعيين صاحبه، كما يصعب تعيين زملائه الآخرين الذين جاء ذكرهم في سفر التكوين.

وأما الرأي الذي يوحد الخليل عليه السلام بذلك المدعو “دمقي اليشو”، وما ذهب إليه “جون فلبي” من أن أبا الأنبياء كان ملكًا من الملوك، الأمر الذي لم يقل به كتاب من الكتب المقدسة (التوراة والإنجيل والقرآن الكريم)، وهي دون شك مصادرنا الأصلية عن الخليل عليه السلام.

هذا فضلاً عن أن الرأي الذي يجعل من حاران وليس من أور موطنًا للخليل، إنما يقف عقبة صعبة في سبيل قبولنا هذه الفكرة. وأخيرًا فإن هذه الفكرة نفسها إنما تجعل هجرة أبي الأنبياء بسبب استيلاء الكاشيين على بابل، أو حتى العيلاميين على أور، وليس من أجل دعوة التوحيد، التي حمل لواءها طوال حياته، ومن ثم فإنها تتعارض وما جاء في القرآن الكريم عن سيدنا ابراهيم عليه السلام.

ولهذا كله، وإنطلاقًا منه، فليس أمامنا سوى أن نفترض، حدسًا عن غير يقين أن الرأي الذي يجعل سيدنا إبراهيم يعيش حوالي عام 1900 ق. م، أقرب إلى الصواب من غيره، على أساس أن بني إسرائيل قد خرجوا من مصر في أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد في عصر الملك المصري مرنبتاح (1224- 1214 ق. م)، وأنهم دخلوا مصر على أيام الهكسوس، حوالي عام 1650 ق. م، ولما كانت مدة إقامتهم في مصر، كما تحدد التوراة، 430 سنة، فإن قدوم سيدنا إبراهيم إلى كنعان إنما كان حوالي 1850 ق. م.

وعلى هذا، وطبقًا لرواية التوراة التي تجعل هجرة سيدنا ابراهيم إلى كنعان، وهو في الخامسة والسبعين من عمره، فإنه يكون قد ولد حوالي عام 1940 ق. م، ولما كان قد عاش في هذه الدنيا 175 سنة، فإنه يكون قد عاش في الفترة (1940- 1765 ق. م)، وإذا أخذنا ببعض الروايات الإسلامية التي تذهب إلى أنه بقي في هذه الدنيا 200 سنة، فإنه يكون قد عاش في الفترة (1940- 1740 ق. م).

وانطلاقًا من هذا، وتخرجًا منه، فإن إسماعيل عليه السلام قد عاش في الفترة (1854- 1717 ق. م)، لأن سيدنا ابراهيم قد رزق به وهو في السادسة والثمانين من عمره، وأنه قد عاش 137 عامًا، وأن إسحاق عليه السلام قد عاش في الفترة (1840- 1660 ق. م)، وذلك لأن أبا الأنبياء قد رزق به وقد أكمل المائة من عمره، وأنه عاش 180 عامًا، وأن يعقوب عليه السلام قد عاش في الفترة (1780- 1633 ق. م)، على أساس أنه قد ولد لإسحاق، وهو في الستين من عمره، وأنه عاش مائة وسبعًا وأربعين سنة، وأن الإسرائيليين قد دخلوا مصر حوالي عام 1650 ق. م، حين كان يعقوب في الثلاثين بعد المائة من عمره.

وهكذا نستطيع أن نستنتج من ذلك كله أن أبا الأنبياء، إبراهيم عليه السلام قد دخل مصر على أيام الأسرة الثانية عشرة (1991- 1786 ق. م)، وربما في عصر سنوسرت الثالث (1878- 1843 ق. م)، وأن الإسرائيليين قد دخلوا مصر على أيام الهكسوس (1725- 1575 ق. م).

عن عزيزة زين العابدين

مترجمة لغة عبرية، وباحثة في الشئون الإسرائيلية في تخصص تحليل الخطاب السياسي الإسرائيلي.

شاهد أيضاً

قصة سيدنا ابراهيم كاملة كما وردت في التوراة

قصة سيدنا ابراهيم كاملة كما وردت في التوراة

قصة سيدنا ابراهيم كاملة كما وردت في التوراة

24 تعليقات

  1. If you want to use the photo it would also be good to check with the artist beforehand in case it is subject to copyright. Best wishes. Aaren Reggis Sela

  2. If you want to use the photo it would also be good to check with the artist beforehand in case it is subject to copyright. Best wishes. Aaren Reggis Sela

  3. Its not my first time to pay a visit this site, i am browsing this web site dailly and take fastidious information from here everyday. Sibylle Reggie Devine

  4. Hey just wanted to give you a quick heads up. The words in your content seem to be running off the screen in Safari. Tildi Virgil Renee

  5. Spend time simply moving up and down the field, passing the ball to one another. Trina Chauncey Paryavi

  6. I think this is a real great post. Really looking forward to read more. Really Cool. Kaitlyn Dugald Lamrouex

  7. Just wanna remark that you have a very decent site, I love the pattern it really stands out. Aveline Griswold Shaw

  8. Im obliged for the blog article. Really looking forward to read more. Cool. Dannie Elvyn Neumark

  9. I was looking through some of your articles on this site and I believe this site is real informative ! Continue putting up. Karrie Tyson Iverson

  10. Everything is very open with a clear explanation of the issues. It was really informative. Your site is extremely helpful. Thanks for sharing. Nannette Dallon Hugibert

  11. There is perceptibly a bunch to identify about this. I assume you made certain good points in features also. Nelle Adolph Noni

  12. I have been reading out a few of your posts and i can claim clever stuff. I will make sure to bookmark your blog. Jacinta Hirsch Rozalin

  13. You should be a part of a contest for one of the finest sites on the internet. Darcie Harlin Almena

  14. Wonderful article! We are linking to this great article on our site. Valentine Nahum Bob