مخطوطات قمران أو ما يطلق عليه اسم “مخطوطات البحر الميت
لم تكد الحرب العالمية الثانية تنتهي، عندما تم العثور على الكهف الاول في ربيع 1947 بالقرب من البحر الميت، وكانت فلسطين لا تزال تحت الحماية البريطانية، وماتزال مدينة القدس والضفة الغربية في أيدي الفلسطينيين، عندما أضاع الصبي محمد الديب إحدى الماعز من قطيعه، وكان ينتمي إلى قبيلة التعامرة التي تتجول في المنطقة الممتدة بين بيت لحم والبحر الميت.
عندما صعد الصبي فوق الصخر باحثًا عن معزته، فشهد فتحة صغيرة مرتفعة في واجهة سفح الجبل، وعندما ألقى محمد بحجر داخل هذه الفتحة سمعها تصطدم بمادة فخارية في الداخل، فأعاد الكرة والقى بعدة أحجار أخرى، وكان في كل مرة يسمع ذات الصوت الذي يحدث عند ارتطام الأحجار بالفخار، عند هذا تسلق محمد سفح الجبل وأطل برأسه داخل الكوة، واستطاع في ظلام الكهف أن يشاهد عددًا من الاواني الفخارية مصفوفة على أرضية الكهف. وفي صباح اليوم التالي عاد محمد ومعه أحد أصدقائه إلى موقع الكهف، الذي ساعده على الصعود إلى الكوة والدخول منها إلى الكهف، الذي عثر بداخله على عدة أواني فخارية بداخلها لفافات تحتوي على سبع مخطوطات، والتي عرفت فيما بعد بـ مخطوطات قمران .
للمزيد إقرأ أيضًا:
- المسلسل الإسرائيلي “اتونوميا- حكم ذاتي” الحلقة الثالثة مترجمة إلى العربية
- وثائق إسرائيلية رسمية تؤكد: الموساد نشر كتاب “نكت سياسية” في مصر قبل حرب أكتوبر لإزعاج القيادة المصرية
- عندما يتحدث صاحب “الخطابات القاتلة” عن السلام- خطاب نتنياهو “بار إيلان”.
بيع مخطوطات قمران
وسرعان ما ظهرت المخطوطات ” مخطوطات قمران ” معروضة للبيع عند تاجر للأنتيكات في بيت لحم عرف باسم كاندو، الذي باعها لحساب التعامرة، فقام المار أثاناسيوس صموئيل- رئيس دير سانت مارك للكاثوليك السوريين- بشراء أربع مخطوطات، بينما اشترى الأستاذ اليعازر سوكينوك الثلاث الباقية لحساب الجامعة العبرية بالقدس.
ولما قامت حرب 1948، خشى أثاناسيوس على مصير المخطوطات التي اشتراها، فأرسل المخطوطات الاربع إلى الولايات المتحدة لعرضها للبيع هناك، إلا أنه في النهاية وافق على بيعها مقابل ربع مليون فقط، عندما اشتراها ايجال يادين- ابن الأستاذ سوكينوك- لحساب الجامعة العبرية في القدس. وهكذا أصبحت المخطوطات السبع الأولى في حوزة الجامعة العبرية الإسرائيلية.
عندما تم إعلان الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل في 7 يناير 1949، أصبحت منطقة قمران والثلث الشمالي من منطقة البحر الميت تحت سيطرة المملكة الأردنية الهاشمية، وبدأ الأردنيون ينظمون عمليات أثرية للبحث عن المخطوطات، وكان التعامرة يحتفظون بموقع الكهف سرًا لا يبوحون به لأحد، فتمكن الجيش الأردني من العثور على الكهف في نهاية يناير 1949.
بعد ذلك نظم الأردنيون عمليات داخل الكهف، بإشراف هاردنج البريطاني، وكان يشغل مدير الآثار الأردنية، والكاهن رولاند دي فو، الذي كان مديرًا للإيكول بيليك دي فرانس الشرقية. وعثر الأثريون على مئات القصاصات الصغيرة داخل الكهف، إلى جانب قطع من الفخار والقماش والخشب، ساعدت في تحديد تاريخ المخطوطات.
إلا أن عمليات التنقيب الاثرية لم تبدأ في بقايا خربة قمران- التي تقع أسفل الكهف- إلا في نوفمبر 1951، حيث تم العثور على أطلال القرية الصغيرة التي عاش بها العيسويون، وبها بقايا رومانية من بينها عملات نقدية، يشير تاريخها على أن هذا الموقع كان مسكونًا إلى أن قامت حركة التمرد اليهودية ضد الرومان في الفترة ما بين 66- 70 م، والتي انتهت بحرق مدينة القدس، وطرد اليهود من المنطقة المحيطة بها.
طمعًا منهم في الحصول على الربح المالي انتشر التعامرة في كل وديان البحر الميت بحثًا عن مخطوطات أخرى، قد تكون مخبأة في الكهوف العديدة الموجودة في هذه المنطقة الجبلية، وفي فبراير 1952 استطاع البدو العثور على كهف آخر به العديد من المخطوطات التي تحللت إلى قصاصات صغيرة، باعوها إلى السلطات الأردنية. واتبعت سلطات الآثار الأردنية نفس الطريقة التي اتبعها التعامرة في البحث داخل كهوف البحر الميت عن المخطوطات، وانتهى الأمر عام 1956 باكتشاف مجموعة من احد عشر كهفًا في منطقة قمران تم ترقيمها، وبينما عثر التعامرة على أربعة كهوف 1، 4، 6، و 11، فإن الآثار الأردنية عثرت على السبعة الباقية.
كان ألمار أثاناسيوس قد سمح للمدرسة الأمريكية للدراسات الشرقية في القدس- وهي التي قامت بالتحقق من القيمة الأثرية للمخطوطات- بتصوير ونشر المخطوطات الأربع التي في حوزته، وبالفعل قامت المدرسة أولاً بنشر صور لهذه المخطوطات ما بين 1950- 1951، حتى تسمح للباحثين بالإطلاع عليها، ثم تبعت هذا بنشر ترجمة إنجليزية لها. كما قامت الجامعة العبرية بنشر صور المخطوطات الثلاث التي حصلت عليها مع ترجمة لها عام 1954.
أصبح الاب دي فو هو المسئول عن عمليات البحث الأردنية عن مخطوطات قمران ، وبالتالي عن عمليات إعداد وترجمة ونشر النصوص التي عثر عليها، فأوكل قصاصات الكهف رقم 1 إلى “دومينيك بارثيلمي” و “ميليك” اللذان يعملان معه في الإيكول بيليك دي فرانس، وبالفعل تم إعداد ونشر الترجمة الإنجليزية لها عن جامعة أكسفورد عام 1955، إلا أن الحكومة الأردنية قامت عام 1953 بتشكيل لجنة عالمية من ثمانية باحثين- ليس بينهم عربي واحد- لتولي عملية إعداد المخطوطات ونشرها برئاسة دي فو، وحضر جميعهم من فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة والمانيا إلى القدس للعمل.
بعد ذلك تم عام 1961 نشر ترجمة المخطوطات التي عثر عليها في كهوف منطقة مربعات (جنوبي منطقة قمران) التي ترجمها ميليك، في الجزء الثاني، وتتضمن الجزء الرابع المزامير التي وجدت في الكهف رقم 11 عام 1965، والجزء الخامس القصاصات التي عثر عليها في الكهف رقم 4 عام 1968.
كما وجدت كهوف في مناطق أخرى غير قمران، عثر بداخلها على مخطوطات قديمة، في مناطق الميرد في الجنوب الغربي لقمران لمربعات وفي الجنوب الشرقي وماسادا، وهي القلعة اليهودية القديمة في المنطقة الخاضعة لإسرائيل في النصف الجنوبي للبحر الميت، فلم يكتف التعامرة بالتنقيب عن المخطوطات في منطقة القمران بل إنهم راحوا يجوبون كل المنطقة الجبلية المطلة على البحر الميت بحثًا في كهوفها هم الكنز القديم.
وفي أكتوبر 1951 عثر بدو التعامرة على مخطوطات مكتوبة بالعبرية وباليونانية في أحد الكهوف في وادي مربعات حوالي 15 كيلو مترًا جنوبي كهف قمران الأول- والتي عرضوها على السلطات الأردنية لشرائها، وكذلك عثر التعامرة في نفس الفترة على بعض الكتابات المسيحية في منطقة الميرد القريبة من قمران، من بينها كتابات سريانية، كما قامت بعثة من الأثريين الإسرائيليين- بقيادة إيجال يادين- بالبحث عن المخطوطات فيما بين 1963 و 1965، في بقايا قلعة ماسادا في المنطقة التي تقع تحت سيطرتهم في الجنوب الشرقي من مدينة الخليل، وتم العثور على بعض المخطوطات هناك.
بعد نكسة 1967، والتي كان من نتيجتها سقوط الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية، وكذلك متحف القدس الذي به المخطوطات، ولم يفلت من هذا المصير سوى مخطوطة واحدة هي المخطوطة النحاسية، لأنها كانت في عمان في ذلك الوقت، وتوقفت حركة الشر تمامًا بعد ذلك.
المصدر: أحمد عثمان، مخطوطات البحر الميت، مكتبة الشروق، ص 10- 16.