مقالات مشابهة
مقدمة عن مصادر العهد القديم
إذا ثبت لنا أن الوحي ليس المصدر الحقيقي لأسفار العهد القديم التي بين أيدينا، فما المصادر الحقيقية لهذه الأسفار؟
يبدو من الدراسة الفاحصة أن هذه الأسفار من صنع أجيال متعددة، وأن فترة التدوين بدأت من عصر عزرا واستمرت بعده، وأن الكهنة كانوا يعتمدون على ما سمعوه وما تلقاه الخلف عن السلف من أخبار وأساطير وأقوال، وكثيرًا ما كان الكهنة يكتبون ما يجيش بصدورهم، أو ما يأملونه على أنه حقيقة واقعة، أو تاريخ سابق، وليس ذلك في الحقيقة إلا من تصديق الخيال، وإلا من الوهم الذي يتخذ في نفس الواهم صورة الحقائق المقررة، ومن ذلك ما جاء في سفر صموئيل الثاني من أن داود ذهب ليسترد سلطته عند نهر الفرات…
ومن الواضح أن داود لم يصل بسلطانه إلى الفرات ولم يقرب منه، وأين نهر الفرات من فلسطين؟ وليس ذلك إلا من وليد الخيال.
مصرايم بن حام وسبب تسمية مصر بهذا الاسم| الاسم في التوراة والتاريخ
ومن المصادر المهمة للأسفار قرارات المحافل اليهودية، فعلى مر التاريخ كان زعماء اليهود يدفعون بقراراتهم لتصير جزءًا من الأسفار المقدسة، وعندما اتخذت الأسفار المقدسة وضعها النهائي قبيل الميلاد، لم يتوقف زعماء اليهود عن محاولاتهم تجاه تقديس قراراتهم، فدفعوا بها إلى التلمود، ثم بعد ذلك إلى قرارات حكماء صهيون، وليس ذلك وذاك بأقل عندهم من العهد القديم قداسة وجلالاً.
مسلسل فوضى اليهودي الحلقة 1| פאודה עונה 1 פרק 1
ويقرر ول ديورانت أن أساطير الجزيرة العربية كانت معينًا غزيرًا لأسفار العهد القديم، فمن هذه الأسفار أُخذت قصص الخلق والطوفان التي يرجع عهدها في تلك البلاد إلى ثلاثة آلاف سنة أو نحوها قبل الميلاد، والمرجح أن اليهود أخذوها من مصادر سامية وسومرية قديمة، كانت نتشرة في جميع بلاد الشرق الأدنى القديم.
ويقول ول ديورانت كذلك إن القصص الشعبية العالمية كانت مصدرًا من المصادر التي اقتبس منها كُتاب أسفار العهد القديم، فقد كان شائعًا في مصر والهند والتبت وبابل وبلاد الفرس واليونان والمكسيك وغيرها من البلاد، قصص شعبية عن الجنة وما فيها من نعيم، وما فيها كذلك من الأشجار المحرمة والأفاعي، وقد شابت هذه الأشياء الخلود من الناس ونزلت بهم إلى الأرض، وأكبر الظن أن الحية والتينة كانتا رمزين للشهوات الجنسية، تلك الشهوات التي تقضي على الطهر والسعادة وتسبب الشرور، وقد برزت هذه الفكرة في سفر الجامعة.
تعليم العبرية pdf| تحميل كتاب الأسرع والأسهل لـتعليم العبرية
ويوضح ول ديورانت أن المرأة اُتخذت في معظم القصص العالمية أداة للشيطان، ويبرز اسم بوسي في الأساطير الصينية، ويقرر القصصي الصيني “شيجنك” أن كل الأشياء كانت في بادئ الأمر خاضعة للإنسان، ولكن المرأة ألقت بنا في ذل الاستعباد، فشقاؤنا لم يأتنا من السماء بل جاءت به المرأة التي أضاعت الجنس البشري، ويضيف ول ديورانت أن قصة الطوفان أيضًا كانت واسعة الانتشار في الأدب الشعبي، فلا يكاد يوجد في الأمم القديمة أمة لم تعرفها، وقلما وجد جبل في أسيا لم يرس عليه راكب السفينة الذي قدر له أن ينجو من الطوفان.
الفكر المصري من مصادر العهد القديم
ويعد الفكر المصري أيضًا مصدرًا رئيسيًا من مصادر العهد القديم، وقد وضح أدولف إرمان هذا الموضوع في بحثه القيم الذي تقدم به سنة 1924 إلى المجمع العلمي البروسي، وعنوانه “مصدر مصري لأسفار سليمان”، وتكلم في هذا البحث عن مؤلف لحكيم مصري اكتشف حديثًا على أوراق البردي، وقد وضع هذا الحكيم نصائحه في ثلاثين بابًا، وساقها في صورة نصائح والد لولده، وهو نفس الطريق الذي سلكه حكماء الشرق منذ القدم، وقد تكررت هذه الحكم بشكل واضح في سفر الأمثال. ويلاحظ كثير من الكتاب أن المعاني التي ذكرها أخناتون في قصيدته عن الشمس تكررت كذلك في أسفار العهد القديم.
ترجمة القرآن للعبرية مجمع الملك فهد הקוראן המפואר- תרגום מובני לעברית
ومن مصادر العهد القديم الرئيسية كذلك الفكر البابلي، وقد عثر القائمون بالحفائر الحديثة على نصوص بابلية، تروي كلا من قصتي الخلق والطوفان، وهي نصوص ترجع إلى زمن يسبق عودة اليهود إلى فلسطين، ومن ثم فإن نقاد الكتاب المقدس يحاجون بأن اليهود استولوا في أثناء أسرهم على تلك الفصول، وهي قوام للإصحاحات العشرة الأولى من سفر التكوين، ومن المصادر البابلية التي عثر عليها نصوص تعد مرجعًا هامًا لقصة شمشون ودليلة وسواها من قصص العهد القديم، كما أن ترانيم التوبة البابلية قد اقتبست في بعض هذه الأسفار.
ويقول الأستاذ العقاد عن المأثورات البابلية والفارسية في الفكر اليهودي ما يلي:
قصة الخلق في العقائد الإسرائيلية الأولى تشابه قصة الخليقة في ألواح بابل، وعقيدة المخلص المنتظر موجودة في الديانة الفارسية وموجودة في الديانة الإسرائيلية….. وكان البابليون يؤمنون بأن الإنسان تمرد على قسمة الموت، وطمح إلى خلود كخلود الأرباب، فبحث عن ثمرة البقاء في السماء، وخدعه إله ماكر عن بغيته فناوله بديلاً منها ثمرة تشبهها في ظاهرها ولكنها ثمرة الفناء.
أهم مصادر العهد القديم
على أن أهم مصدر من مصادر العهد القديم هو تشريع “حمورابي”، الذي يرجع تاريخه إلى نحو 1900 ق.م، وقد اكتشف في سنة 1902م محفورًا على عمود من الصخر الأسود. وتشريع حمورابي أقدم تشريع سامي معروف حتى الآن، وهو يدل على عقلية بلغت شأنًا عظيمًا من الرقي والنضج، ثم إن هناك شبهًا شديدًا بينه وبين القوانين اليهودية، وهذا الشبه ليس سطحيًا ولا عرضيًا، بل يتناول اللحمة والسدى واللب والجوهر، وحتى اللفظ والتراكيب، ولذا ذهب كثير من العلماء وفي مقدمتهم Jeremias إلى أن القوانين الإسرائيلية في معظمها مأخوذة مباشرة من تشريع حمورابي.
سدوم قرية قوم لوط | علماء يدعون اكتشاف طريقة تدميرها
ومن أبرز ما اتضح في تشرييع حمورابي وتحدر إلى الفكر الإسرائيلي “قانون المشابهة” الذي يوجد علاقة بين الجريمة والعقوبة ويلزم أن تكون العقوبة مضارعة للجريمة وأن تكون بقدرها بقدر الإمكان، فالعضو الذي يحدث الضرر يلقى العقاب، فكانت اليد التي تخطيء أو تسرق تعاقب بالقطع، فإن ذلك يد الجراح فسببت وفاة المريض أو فقأت عينه، قُطعت يد الطبيب، وإذا جرى لسان بالغيبة أو النميمة فبتره هو العقاب، وإذا هجم رجل على آخر فأضر ببعض أعضائه، كان العقاب في مثل الموضع المصاب، وكذلك كانت الحال في البضائع والأموال، فالسلعة بالسلعة، والسفينة بالسفينة، والثور بالثور، والضأن بالضأن، وما إلى ذلك من أموال، هذه هي بعض نصوص مقتبسة من تشريع حمورابي، ونجد مثل ذلك في التوراة.
المصدر: أحمد شلبي، مقارنة الأديان (اليهودية)، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1966، ص 234- 238.
