تسمية مصر
سُميت مصر بالعديد من الاسماء على مدار تاريخها الطويل الحافل، بيد أن الاسم “مصر” ينسبه العهد القديم إلى مصرايم بن حام بن نوح، وهو باللغة العبرية “מצרים בן חם בן נוח”، وبالغة الإنجليزية “Mizraim“، وفي النصوص الآرامية السريانية “مصرين”، وينسبه البعض إلى جذر سامي قديم قد يعني البلد أو البسيطة، ويشير أحيانًا إلى الحصينة أو المكنونة.
اسم مصر “مصرايم” في العهد القديم
تعد كلمة “مصرايم” في اللغة العبرية اسم مثنى، في إشارة إلى مصر العليا ومصر السفلى. وتُذكر مصر في العهد القديم ملازمة أحيانًا للاسم فتروس، كما جاء في سفر إشعياء (11: 11): “وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ السَّيِّدَ يُعِيدُ يَدَهُ ثَانِيَةً لِيَقْتَنِيَ بَقِيَّةَ شَعْبِهِ، الَّتِي بَقِيَتْ، مِنْ أَشُّورَ، وَمِنْ مِصْرَ، وَمِنْ فَتْرُوسَ…”. وفي سفر حزقيال (29: 14): “وَأَرُدُّ سَبْيَ مِصْرَ، وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى أَرْضِ فَتْرُوسَ، إِلَى أَرْضِ مِيلاَدِهِمْ، وَيَكُونُونَ هُنَاكَ مَمْلَكَةً حَقِيرَةً. وكذلك في حزقيال (30: 14): “وَأُلْقِي الرُّعْبَ فِي أَرْضِ مِصْرَ.وَأُخْرِبُ فَتْرُوسَ“.
وقد فسر البعض ذكر مصر بجانب الاسم فتروس، أن مصر هنا تستخدم في الإشارة إلى مصر السفلى، وفتروس تشير إلى مصر العليا. ولكن في نبوة إرميا (44: 1): “اَلْكَلِمَةُ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ جِهَةِ كُلِّ الْيَهُودِ السَّاكِنِينَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، السَّاكِنِينَ فِي مَجْدَلَ وَفِي تَحْفَنْحِيسَ، وَفِي نُوفَ وَفِي أَرْضِ فَتْرُوسَ”، وفي سفر ارميا (44: 15): “وَكُلُّ الشَّعْبِ السَّاكِنِ فِي أَرْضِ مِصْرَ فِي فَتْرُوسَ”، نجد أنه من الواضح أن كلمة “مصر” تشير إلى كل بلاد مصر كما هي معروفة، وأن “فتروس” تشير إلى جزء منها، في إشارة إلى الوجه القبلي (مصر العليا).
مصرايم بن حام بن نوح
مصرايم بن حام ابن النبي نوح، وفقًا لما جاء في العهد القديم في سفر التكوين، هو أبو المصريين وأخو كوش بن حام أبو النوبيين، كما أنه مؤسس مصر.
جاء في الروايات اليهودية أن قليمون الكاهن خرج من مصر، ولحق بالنبي نوح هو وأهله وولده وتلامذته وركب معه السفينة، وزوج ابنته من بنصر بن حام بن نوح، فلما خرج نوح من السفينة وقَسَّم الأرض بين أولاده، كانت ابنة قليمون الكاهن قد ولدت لبنصر بن حام بن نوح ولداً أسماه مصرايم؛ فقال الكاهن قليمون للنبي نوح: ابعث معي يا نبي الله حفيدى حتى أمضي به بلدي وأظهره على كنوزي وأوقفه على علومه ورموزه، فأرسله معه في جماعة من أهل بيته، وكان غلاماً.
فلما قرب من أرض مصر بنى له جده الكاهن قليمون عريشاً من أغصان الشجر وستره بحشيش الأرض، ثم بنى له بعد ذلك في هذا الموضع مدينة وسماها درسان: أي باب الجنة؛ فزرعوا وغرسوا الأشجار من درسان إلى البحر، فصارت هناك زروع وأجنة وعمارة.
مصرايم ملكًا على مصر ويسميها باسمه
بحسب ما الروايات اليهودية أيضًا، كان أهل مصرايم جبابرة فقطعوا الصخور وبنوا المعالم والمصانع وأقاموا في أرغد عيش، ونَصَّب أهل مصر مصرايم بن بنصر ملكاً عليهم، فملك مصر، وهي مدينة منيعة على النيل وسماها باسمه، وغرس الأشجار بيده وكانت ثمارها عظيمة، بحيث يشق الأترجة نصفين فيحمل على البعير نصفها، وكان القثاء في طول 14 شبراً.
وتذكر هذه الروايات أنه أول من صنع السفن بالنيل، وأول سفينة كانت 300 ذراع طولاً في عرض 100 ذراع وتزوج مصرايم امرأة من بني الكهنة فولدت له قفطايم وأشمون وأتريب وصا. فتكاثروا وعمروا أرض مصر، وبورك لهم فيها، فبنوا مدينة سموها نافة، ومعنى نافة 30 بلغتهم وهي من نفر “منف”، و”ممفيس”، وكشفوا عن كنوز مصر وعلومها وأثاروا المعادن وعلموا علم الطلسمات، ووضعوا علم الصنعة وبنوا على البحر مدناً منها “رقودة”، مكان الإسكندرية.
وفاة مصرايم بن حام
ولما حضرت مصرايم بن بنصر بن حام بن نوح الوفاة عهد إلى ابنه قفطايم، وكان مصرايم قد قسم أرض مصر بين بنيه، فجعل لقفطيم من قفط إلى أسوان، ولأشمون من أشمون إلى منف، ولأتريب الجرف كله وجزءًا من ناحية صا البحرية إلى قرب برقة. وقال لأخيه: فارق لك من برقة إلى الغرب وفارق هو صاحب إفريقية ووالد الأفارقة.
ثم أمر مصرايم كل واحد من بنيه قفطايم وأشمون وأتريب وصا أن يبني لنفسه مدينة في موضعه. مات مصرايم بن بنصر بن حام بن نوح بعد مرور 700 عام من أيام الطوفان، ولم يعبد صنماً قط، وحصن نفسه بأسماء الله وآمن بدين جد أبيه النبي نوح، دين الملك الديان وآمن بالمبعوث بالفرقان.
للمزيد إقرأ أيضًا:
- البذور المعيبة التي زرعها موشيه دايان وحصدتها إسرائيل في حرب اكتوبر 1973
- مسلسل طهران الاسرائيلي الحلقة الخامسة|| مترجمة إلى العربية הסדרה טהרן פרק 5
- حكم نجاسة الكلاب في الديانة اليهودية
مباركة النبي نوح لمصر ومصرايم
بسبب تاريخ مصر العظيم، وتراثها الحضاري الضخم، الذي لا يمكن مقارنته بأي حضارة كانت في تاريخ البشرية، تبارى المؤرخون في وضع أسباب تاريخية تبرر هذه الظاهرة الحضارية الفريدة، بداية من المحرر التوراتي، ومرورًا بتفسيرات العهد القديم، وحتى بعض المؤرخين المسلمين. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما ذُكر في التوراة من لعنة نوح عليه السلام لحام ونسله يتنافى مع الحديث الوارد في مباركة نوح عليه السلام لمصرايم.
فقد ورد عن أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم يقول في كتاب فتوح مصر وأخبارها، عن عبد الله بن عباس قال: أن نوحا رغب إلى الله عز وجلّ وسأله أن يرزقه الإجابة في ولده وذريته، فنادى حام فقام مصرايم يسعى إلى نوح وقال: يا جدّي قد أجبتك إذ لم يجبك جدي ولا أحد من ولده، فاجعل لي دعوة من دعائك ففرح نوح ووضع يده على رأسه وقال: اللهم إنه قد أجاب دعوتي فبارك فيه وفي ذريته، وأسكنه الأرض المباركة التي هي أم البلاد وغوث العباد، التي نهرها أفضل أنهار الدنيا، وأجعل فيها أفضل البركات وسخر له ولولده الأرض وذللها لهم وقوهم عليها.
تفسير المؤرخين للاسم مصر
تفسير مانيتون للاسم مصر
جاء في التسلسل التاريخي الذي اقترحه يوسابيوس، أن مانيتون المؤرخ المصري القديم اقترح أن العصر العظيم للعصور القديمة الذي تفاخر به المصريون اللاحقون قد سبق الطوفان، وأنهم ينحدرون بالفعل من مصرايم، الذي استقر هناك من جديد.
تفسير المؤرخين المسلمين للاسم مصر
وقد رويت قصة مماثلة من قبل المؤرخين المسلمين في العصور الوسطى، مثل سبط بن الجوزي والمصري ابن عبد الحكم، ومن علماء الفرس الطبري ومحمد خواند مير، مشيرين إلى أن الأهرامات وغيرها قد بنتها الأجناس الشريرة قبل الطوفان، غير أن سليل نوح مصرايم كُلف بإعادة احتلال المنطقة بعد ذلك.
تفسير جورج سينسيلوس للاسم مصر
ولكن وفقًا لجورج سينسيلوس، صاحب كتاب سوثيس المنسوب إلى المؤرخ المصري مانيتون، أشار إلى أن مصرايم هو الفرعون الأول الأسطوري مينا، الذي قيل إنه وحد المملكة القديمة وبنى مدينة ممفيس. كما رأى البعض أن مصرايم يمكن أن يكون أيضًا هو Misor، الذي قيل عنه في الأساطير الفينيقية أنه كان والد تاوتوس، الذي أعطي لمصر. كما لاحظ العلماء لاحقًا أن هذا أيضًا يذكر مينا، الذي قيل أن ابنه أو خلفه هو أثوثيس.
تفسير دايفيد روهل للاسم مصر
ومع ذلك فقد اقترح العالم دايفيد روهل David Rohl تفسيرًا مختلفًا، أن من بين أتباع ميشكي أنغشير الحاكم السومري كان “شقيقه” الأصغر، الذي وُصف بأنه زعيم قوي وذز شعبية. وهو رئيس قبيلة الصقر- أحفاد حورس “البعيد”. يسمي الكتاب المقدس هذا الملك حورس الجديد “مصرايم” لكن هذا الاسم في الواقع، ليس أكثر من لقب. وتعني “أتباع أسر” أو “Asar” (وتعني بالعربية المصرية من مصر باستخدام حرف الجر “من” m-asr).
اسم مصر في النقوش الأثرية القديمة
استخدمت النصوص البابلية مصطلح “مصرايم” للإشارة إلى مصر. وقد وُجد هذا الاسم نقشًا على بوابة بابل. كما تشير النقوش الأوغاريتية إلى مصر باسم Mṣrm. وفي القرن الرابع عشر قبل الميلاد. كانت تسمى رسائل تل العمارنة بالاسم Misri. أما النقوش الآشورية فقد كانت تسمي مصر Mu-ṣur.
تسميات أخرى للاسم مصر
كتب المقريزي أن اسم مصر قبل الطوفان كان “جزلة”، ثم سُميت باسمها الحالي مب بعد زمن الطوفان، ويشير المقريزي أن أهل العلم قد اختلفوا في معنى الاسم، فمنهم من قال هي نسبة لمصر بن مركابيل بن دوابيل بن عريان بن آدم عليه السلام، ومنهم من نسبها إلى مصرايم بن نقراوش الجبار بن تيصر بن حام بن نوح عليه السلام.
يعرفها العرب باسم «مِصر» ويسميها المصريون في لهجتهم «مَصر». أما الاسم الذي عرف به الفراعنة موطنهم في اللغة هو “كِمِيت”، وتعني “الأرض السوداء”، كناية عن أرض وادي النيل السوداء تمييزا لها عن الأرض الحمراء الصحراوية “دِشْرِت” المحيطة بها.