معركة المزرعه الصينيه والثغره على الجانب الإسرائيلي
معركة المزرعه الصينيه والثغره :رغم التخطيط الجيد الذي وضعه أريئل شارون قائد مجموعة العمليات رقم 143 لتحقيق المهمة التي أُسندت الى فرقته ضمن خطة القلب الشجاع، والتي كانت تتلخص في اقامة وتأمين رأس كوبري على ضفتي قناة السويس عند نقطة الدفرسوار ليلة 15/16 أكتوبر تميهدًا لعبور فرقة الجنرال أبراهام أدان (بران)، صباح يوم 16 أكتوبر على الجسرين اللذين كلفت فرقة شارون بمهمة تركيبهما على القناة، فان خطة شارون أوشكت على الفشل بسبب عاملين رئيسيين:
أولهما: تأخر وصول الكباري ومعدات العبور إلى منطقة المعبر بـ الدفرسوار، نتيجة لازدحام المرور على محوري التقدم الأساسيين (أكافيش وطرطور) واغلاق أجزاء منهما لوقوعهما تحت سيطرة القوات المصرية. وكانت الخطة الاسرائيلية الاصلية لعليمة العبور للغرب، والتي سبق التخطيط لها قبل الحرب مبنية على أساس أن العبور سيتم تنفيذه أثناء وجود القوات المصرية غرب القناة، أي أن الشاطئ الشرقي للقناة سيكون تحت سيطرة القوات الاسرائيلية، وأن حصون خط بارليف سيتم استخدامها في تأمين عملية العبور، وان الكباري الثقيلة ومعدات العبور سيجري تجميعها وتجهيزها على مقربة من طريق لكسيكون (الطريق العرضي رقم 1 الموازي للقناة) بدون أي ضغط أو تدخل من المصريين.
بيد أن الظروف التي أجريت فيها عملية العبور الفعلية ليلة 15/16 أكتوبر كانت مختلفة تمامًا عما كان مقدرًا في الخطة الأصلية، فلقد أجريت العملية رغم أن كلا الشاطئين الشرقي والغربي للقناة كانا تحت السيطرة التامة للقوات المصرية، كما أن معدات العبور والجسر السابق التركيب، وجسر معديات البونتون وكلها أحمال ثقيلة الوزن كبيرة الحكم تم جرها بالدبابات مسافة حوالي 20 كم فوق الرمال وتحت وابل من نيران مدفعية المصرييين وهاوناتها ورشاشاتهم، مما أدى الى تعطيل وصولها فترة طويلة.
أما العامل الرئيسي الثاني الذي كاد يتسبب في فشل عملية العبور، فهو التعطيل الذي جرى في عمليات تأمين المعبر عند الدفرسوار وتطهير المحورين الرئيسيين للتقدم (أكافيش وطرطور)،والتي كانت تستلزم ضرورة السيطرة على المنطقة الممتدة من نقطة العبور حتى مسافة 5 كم شمالا أو حتى شمال المزرعة الصينية، وكان مقدرًا لها أن تتم خلال ليلة 15/16 أكتوبر.
وقد أسند شارون هذه المهمة الى اللواء المدرع بقيادة آمنون بعد أن عززه بكتيبة مدرعة من لواء توفيا وبكتيبتين مشاة ميكانيكيتين لتصبح قوته 4 كتائب مدرعة و3 كتائب مشاة ميكانيكية، علاوة على كتيبة استطلاع الفرقة. ورغم تركيز آمنون هجمومه بهذه القوة الكبيرة على قطاع اللواء 16 مشاة (أقصى الجنب الأيمن للجيش الثاني) والتي كانت مواقعه تدخل ضمن نطاق منطقة التأمين المطلوب اخلاؤها من القوات المصرية، فان الاسرائيليين فوجئوا بأن القوة التي واجهتهم كانت أكبر مما قدروا، كما أن المقاومة العنيدة التي أبدتها كانت أشد كثيرا مما كانوا يتوقعون.
ليلة حرب اكتوبر ضابط استخبارات إسرائيلي: “فرصة نشوب حرب غدًا مثل فرصة ركوب جدتي دراجة”
ونتيجة لهذين العاملين تعثرت خطة العبور الاسرائيلية وانهار الجدول الزمني المحدد لها وواجه لواء المظلات بقيادة العقيد داني مات الذي عبر قناة السويس ليلة 15/16 أكتوبر في قوارب مطاطية وقتا عصيبا. فقد ظل معزولا بالضفة الغربية للقناة مع 30 دبابة من لواء حاييم عبرت فوق معديات متحركة عن قواعده بالضفة الشرقية لمدة تقرب من 40 ساعة، اذ لم تتم قامة أي جسر يربط بين شاطئ القناة الا ليلة 17/18 أكتوبر.
كما أن الجنرال حاييم بارليف أصدر أمرا بعد ظهر يوم 16 أكتوبر بعدم عبور أي قوات اسرائيلية أو دبابات الى الضفة الغربية في قوارب أو على معديات متحركة الى حين اقامة جسور ثابتة فوق القناة حتى لا يزداد حجم القوة الاسرائيلية الموجودة غرب القناة والمعزولة عن قواعدها في الشرق والمعرضة لخطر الابادة.
ولو كانت القيادات المصرية على مختلف المستويات قد تنبهت مبكرًا الى طبيعة وأهداف العملية التي كانت تجرى في الدفرسوار، وتم لها اتخاذ التدابير السريعة الواجبة ودفع القوة الكافية لمواجهتها لكان من المتعذر بقاء القوة الاسرائيلية التي عبرت الى غرب القناة والتي كانت تتكون من لواء مظلات و30 دبابا طوال يومي 16/17 أكتوبر دون أن تتعرض لخطر الابادة أو الوقوع في الأسر، ولكان من المستحيل على القيادة الاسرائيلية استكمال عملية العبور، واقامة أي جسر ثابت فوق القناة في حال سقوط نقطة الانزال غرب القناة في أيدي المصريين، كما لم يكن في مقدرتها القيام بعد ذلك بعملية عبور أخرى من نقطة جديدة خلال الدفرسوار بعد زوال عامل المفاجأة.
“القتال من وراء جدر محصنة”: البئر- مقر القيادة العليا للجيش الإسرائيلي في أوقات الحرب
بيد أن عامل الحظ تدخل بصورة عجيبة، بالاضافة الى التقصير الذي وقع من بعض القيادات المصرية. وهكذا نجحت المغامرة الاسرائيلية التي كان من المحتم فشلها، وأضفت القيادة الاسرائيلية على نفسها بسبب ذلك النجاح هالات من العظمة والمجد والقدرة على تحقيق الخوارق والمعجزات، بينما لم تكن العملية في حقيتها تستحق كل هذه الصفات.
معركة المزرعه الصينيه والثغره على الجانب المصري
كان أحد العيوب الرئيسة للخطة التي وضعتها القيادة العامة المصرية لتدمير ثغرة الاختراق شرق القناة في منطقة الدفرسوار أنها خصصت للفرقة 21 المدرعة مهمة التقدم يوم 17 أكتوبر من مواقعها شمال قرية الجلاء، والمغذي الرئيسي في اتجاه الجنوب كي تلتقي مع اللواء 25 المدرع المستقل الذي تقرر دفعه من قطاع الجيش الثالث من الجنوب الى الشمال.
وعندما تلتقي القوتان عند منطقة الدفرسوار – شرق القناة – يتم حصار العدو داخل ثغرة الاختراق وتدميره. ولم يكن في مقدرة الفرقة 21 المدرعة تحقيق المهمة التي أسندت اليها بأي حال من الأحوال، فان العبرة – كما سبق أن أوضحنا عند تحديد حجم أي قوة بالنسبة للمهمة المخصصة لها – أن يجري هذا التحديد حسب قدراتها الحقيقية وليس حسب حجمها التنظيمي ، على أن يوضع ايضا في الاعتبار قوة العدو التي ينتظر مواجهتها عند تنفيذ المهمة.
مسلسل اسرائيلي عن حرب اكتوبر| ساعة الاغلاق الحلقة 2
ونظرًا لأن القدرات الحقيقية للفرقة 21 المدرعة بعد المعارك العنيفة التي خاضتها منذ عملية تطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر، إلى حين تكليفها بهذه المهمة الجديدة لم تكن تزيد على قدرة لواء مدرع فقط، لذلك لم تتمكن أي وحدة من وحدات الفرقة 21 المدرعة من الالتقاء مع اللواء 25 المدرع للاشتراك معه في تحقيق المهمة التي كلفت بها القوتان. وكان ذلك من ضمن العوامل الرئيسية التي أدت الى تدمير هذا الواء المدرع جنوب الخط كثيب الحبشي – تل سلام بعد معركة غير متكافئة وصفتها بعض المراجع الأجنبية بأنها كانت معركة دبابات كلاسيكية يحلم بها كل قائد.
وبعد فشل الفرقة 21 المدرعة في تحقيق المهمة التي خصصت لها في عملية تطوير الهجوم شرقا يوم 14 أكتوبر والتي خسرت خلالها نحو 50% من الدبابات التي اشتركت بها في المعركة، لم تسنح الفرصة لقائدها العميد أ. ح ابراهيم العرابي للقيام بعملية اعادة تجميع وحدات فرقته والقيام بأعمال الاصلاح السريعة للمعدات المعطوبة بالطريقة السليمة، وبعيدا عن ضغط العدو لكي يمكنه تجديد الكفاءة القتالية للفرقة. فقد أمضت وحدات الفرقة طوال يوم 15 أكتوبر تحت قصف جوي مركز من العدو ونيران مدفعية بعيدة المدى من عيار 155 مم و175 مم. وزاد من خسائر الفرقة وشل من قدرتها على الانتشار لتجنب خسائر القصف الجوي والمدفعي حشرها مع الفرقة 16 مشاة في رأس كوبري واحد ضيق مما جعل الموقف يزداد صعوبة وتعقيدا.
وعلاوة على الموقف السيئ الذي واجهته الفرقة طوال يوم 15 أكتوبر، والذي كان سببًا في عرقلة عملية اعادة تجميع وحداتها، فان وضعها لم يلبث أن ازداد تحرجا بعد أن قررت القيادة الاسرائيلية البدء في تنفيذ خطتها (القلب الشجاع) اعتبارا من ليلة 15/16 أكتوبر لاقمة رأس كوبري على ضفتي قناة السويس عند الدفرسوار.
اذ أصبح رأس كوبري الفرقة 16مشاة الذي يضم الفرقة 21 المدرعة هدفا لهجوم عنيف ومتواصل من القوات المدرعة الاسرائيلية لاختراق الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة بقصد تأمين ساحة العبور عند الدفرسوار (الحصن الاسرائيلي السابق متسميد) وتوسيع الاختراق شمالا الى مسافة حوالي 5 كم أي حتى شمال قرية الجلاء والمغذي الرئيسي، وتطهير محوري التقدم أكافيش وطرطور اللذين ستتحرك عليهما القوات والمعدات المخصصة للعبور، وكانا يمران أمام مواجهة اللواء 16 مشاة (الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة) بل كان محور طرطور يخترق المواقع الأمامية لهذا اللواء.
وكان تحقيق أهداف خطة العبور الاسرائيلية الى غرب القناة يعني تدمير اللواء 16 مشاة واحتلال مواقعه الدفاعية، أو على الاقل زحزته شمالا حوالي 5 كم ليتم اخلاء المنطقة من ساحة العبور بالدفرسوار حتى شمال قرية الجلاء والمغذي الرئيسي من القوات المصرية. وكانت الهجمات الاسرائيلية المركزة على الجنب الايمن للفرقة 16 مشاة التي انتهت باختراق الموقع الدفاعي للواء 16 مشاة، ووصول الدبابات الاسرائيلية الى قرية الجلاء سببا في تكليف وحدات الفرقة 21 المدرعة قبل أن يتسنى لها اتمام عملية اعادة التجميع بشن هجمات مضادة على قوات العدو في ثغرة الاختراق ومحاولة طرد دبابات العدو من قرية الجلاء.
ونظرا للأوضاع الحرجة على الجنب الأيمن للفرقة 16 مشاة اضطرت قيادة الجيش الثاني الى استخدام وحدات الفرقة 21 المدرعة بأسلوب يخالف المبادئ التكتيكية السليمة في استخدام المدرعات، اذ تم دفع الفرقة للهجوم بأسلوب الهجوم الموزع ، فتبعثرت كتائبها المدرعة في شتى الاتجاهات وتوزعات جهودها على مختلف الجبهات، مما أدى في النهاية الى تفتيتها وفقدانها لقوتها الضاربة.
ورغم ما حاق بالفرقة 21 المدرعة من خسائر بلغت أكثر من 150 دبابة فان المهمة الرئيسية التي اعتادت قيادة الجيش الثاني تكليفها بها منذ العبور الاسرائيلي الى غرب القناة تنفيذا لتعليمات القيادة العامة المركز 10 كانت دائما هيا استعادة الموقف الى ما كان عليه في الجناح الأيمن للجيش الثاني.
وكان من المحتمل نجاح الفرقة 21 المدرعة في اداء هذه المهمة الصعبة، رغم ما واجهته من ظروف قاسية لو أتيحت لها الفرصة لاستعاضة خسائرها في الدبابات، وتم لها تسلم دبابات جديدة لتعود مرة أخرى الى حجمها التنظيمي الكامل.
كما كان الحال يجري في الوحدات المدرعة الاسرائيلية خاصة بعد تدفق شحنات الجسر الجوي الامريكي، ولكن ذلك الامر لم يكن من المتيسر تحقيقه نظرا لعدم توافر دبابات احتياطية في مخازن القوات المسلحة المصرية، كما ان الدبابات السوفيتية التي ارسلت عن طريق الجسر البحري السوفيتي، والبالغ عددها 400 دبابة من طراز ت 55 وت 62 تم شحنها كلها عن طريق البحر من ميناء اوديسا على البحر الاسود الى ميناء اللاذقية السوري، نظرا للخسائر الثقيلة التي تكبدتها القوات السورية اثناء هجومها على مرتفعات الجولان، مما لم يتح الفرصة لوصول أي شحنات من الدبابات السوفيتية الجديدة الى مصر.