مقدمة عن الأدب العبري
مقدمة عن الأدب العبري: على الرغم من أنه مع خاتم الفترة التوراتية في عمر اللغة العبرية، كانت هذه اللغة قد كفت عن أن تكون لغة حديث وحياة، فإن النثر العبري لم يتوقف قط، حيث يحتفظ لنا أدب الأبوكريفا (الأسفار الخارجية) ولفائف البحر الميت المكتشفة حديثًا بالعديد من الأمثلة والنماذج النثرية التي ترجع إلى الفترة التوراتية المتأخرة، وفترة ما بعد ختام الكتاب المقدس.
ملف صوتي “مقدمة عن الأدب العبري”
بيد أن القرون الخمسة التالية تبدو وكأنها خلو من الشعر، إذ أن هذه الفترة التلمودية (سنة 70- 500 م) لا تحتوي- في خلال أدبها المكثف- إلا على بعض المراثي المتفرقة، المرتبطة ببعض المناسبات الخاصة، بالإضافة إلى شذرات من الأناشيد الفولكلورية.
ثم شهد النشاط الشعري مدًا جديدًا في فلسطين البيزنطية في الفترة من القرن السادس حتى الثامن، وفي العراق من القرن الثامن للقرن العاشر، ففي هذين القطرين أخذ العديد من كتاب المقطوعات الغنائية “البيوطيم” ينظمون أناشيد وأشعار، بالإضافة إلى النصوص التعليمية التي أُلحق الكثير منها فيما بعد بطقوس المعابد وشعائرها.
للمزيد إقرأ أيضًا:
- دوله فلسطينية في سيناء: حل أصيل مع ريفييرا أم أحلام صحراوية؟ 2
- دولة فلسطينية في سيناء| حل أصيل مع ريفييرا أم أحلام صحراوية؟ 1
- جيروزاليم بوست| كيف تحول حسن نصر الله من العدو المفضل لإسرائيل إلى رجل ميت
- القوة العسكرية وحدها لا تكفي| قراءة في استراتيجيات الصراع العربي الاسرائيلي
- مقال إسرائيلي| الديكتاتورية تحت ستار الحرب قراءة في سياسات نتنياهو وغالانت
أما في الشعر العبري الوسيط، فقد ازدهر ازدهارته الكبرى، ووصل إلى قمة نهضته وسموه في الأندلس، خلال ما يسمى بالعصر الذهبي، بالعبرية תור הזהב، في الفترة ما بين القرن العاشر حتى القرن الخامس عشر، عندما نهضت مجموعة من الأدباء الموهوبين، وأخذوا ينظمون شعرًا دنيويًا إلى جانب الشعر الديني.
والواقع أن قراء الكتاب المقدس يدركون جيدًا أنكثيرًا من الأدب العبري القديم لا يجدر وصفه بالصفة الدينية الخالصة، فنشيد الأناشيد مثلاً، رغم كل التأويلات المجازية والتعبيرات الاستعارية التي اجتهد المفسرون اليهود والنصارى في استنباطها منه، لم يكن في حقيقة الأمر سوى مجموعة من قصائد الغزل، وأناشيد الحب وأغاني الزواج، وأهازيج العرس، التي تفصح بجلاء عن وجهها الدنيوي وسمتها العلمانية. وهكذا الأمر بالنسبة لقصائد الغزل والخمريات الأندلسية، التي كانت استمرارًا لهذا الخط، ونسجًا من شعراء الأندلس اليهود، على ذلك المنوال.
مقالات و كتب عن الأدب العبري الحديث “مقدمة عن الأدب العبري”
- تحميل كتاب بدايات الأدب العبري الحديث pdf | رشاد الشامي
- الشعر العبري الحديث في المرحلة الإسرائيلية | جيل البلماح
- ” تاريخ الأدب العبري الحديث ” للدكتور زين العابدين أبو خضرة
- تحميل رواية: حكاية بسيطة סיפור פשוט لـ شموئيل يوسف عجنون pdf
- تحميل كتاب أدب الطفل العبري “בין סופר ילדים לקוראיו”
- تحميل كتاب “الفن والفكرة في القصة المقرائية” אמנות ורעיון בסיפור מקראי
- تحميل كتاب الأدب العبري الحديث “محبة صهيون” אהבות ציון
ورغم أن مثل هذا الأدب الدنيوي كان ينظر إليه بالطبع نظرة ثانوية هامشية، مقارنة بالتيار الدافق والسيال المتصل من الأدب الديني البحت، الذي نظم في العصر التوراتي، فقد استمر يكتب ويحفظ بشغف وإعزاز على طول التاريخ اليهودي وعرضه.
وفي العصر الوسيط، وبعد أن عاش اليهود في كنف الحكم الإسلامي في الأندلس، فحصلوا على حقوقهم، ونعموا بحرياتهم، وشاركوا في مجالات الحياة كافة، ازدهر الأدب العبري ووصل إلى قمة نهضته وسموه عبر تاريخه كله، بما في ذلك العصر الحديث، حيث استعار الأدباء العبريون الأندلسيون بحور الشعر العربي وقوافيه وأخليته ومعانيه، فعلى نجمهم وذاع صيتهم، وتأكدت مكانتهم في حوليات الشعر الأوروبي الحديث، وصار الشعراء يحذون حذوهم في إقليم البروفانس، بل وفي بلاد اليمن، ومن هؤلاء الشعراء: شموئيل هناجيد שמואל הנגיד (993- 1056م)، وسليمان بن جبيرول שלומה בן גבירול (1021- 1058م)، ويهود اللاوي (1075- 1141م).
وعلى العكس من ذلك فإن الشعراء العبريين الذين عاشوا في وسط أوروبا في القرون الوسطى لم ينتجوا سوى الأشعار الدينية، على نمط رفاقهم في فلسطين البيزنطية.
وقد احتفظت الشعائر الدينية لليهود الأشكيناز (الألمان والولنديين) حتى أيامنا هذه، بعدد كبير من هذه المقطوعات الشعرية، التي نظمت خلال القرون الوسطى في ألمانيا وفرنسا، بيد أن الشعر العبري استمر في عمومه، حتى مرحلته الحديثة، شعرًا دينيًا مقدسًا، بل وحتى في ألمانيا والبروفانس، وبعد ذلك في إيطاليا فاق الإنتاج الشعري الديني الأشعار الدنيوية.
وقد تبدلت الأدوار مع انهيار البناء التقليدي في شرق أوروبا ووسطها خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ففي هذه المرحلة الحديثة صار الشعر الدنيوي الشاغل الأكبر والهم الأول للأديب العبري، فلا يتعامل مع الموضوعات الدينية إلا لمامًا، وهكذا فإن الشعر العبري الحديث يشكل انقطاعًا لتيار طويل متصل بالغ الاتصال من الشعر الديني.
وإذا كانت دنيوية الشعر العبري الحديث تضعه في مكان منفصل ومتميز عن الشعر القديم والوسيط، فإنه من العجيب أن تأتي عناصر ذلك الشعر الحديث وأدواته من لغة ورموز وصور ما سبق، فتصل ما قطعت تلك العلمانية، وتربط الماضي بالحاضر، وتقيم جسورًا بين الأوغل في قدمه والمغرق في حداثته، ولا شك أن هذا الاندماج والتمازج بين ما هو قديم، ومخا هو جديد في الشعر العبري يشكل واحدًا من أعجب وأبهر جوانب الأدب التي شهدها البحث الحديث.
مقدمة عن الأدب العبري، المصدر: زين العابدين محمود أبو خضرة، تاريخ الأدب العبري الحديث، القاهرة، 2000، ص 12- 15.