جاء في الخطط المقريزية أن الياس عليه السلام هو فينحاس بن العازر بن هارون (عليه السلام)، و يقال الياسين بن ياسين عيزار بن هارون، ويقال هو إلياهو، وهي كلمة عبرانية معناها قادر أزليّ، وعرّب فقيل إلياس.
هل الياس هو الخضر عليه السلام؟
ويذكر أهل العلم من بني إسرائيل أنه ولد بمصر، و خرج به أبوه العازر من مصر مع موسى (عليه السلام)، وعمره نحو الثلاث سنين، وأنه هو الخضر الذي وعده اللّه بالحياة، وأنه لما خرج بلعام بن باعورا ليدعو على موسى، صرف اللّه لسانه حتى يدعو على نفسه و قومه، وكان من زنا بني إسرائيل بنساء الأمورانيين وأهل مواب ما كان، فغضب اللّه تعالى عليهم، وأوقع فيهم الوباء، فمات منهم أربعة و عشرون ألفا إلى أن هجم فينحاس هذا على خباء فيه رجل على امرأة يزني بها، فنظمهما جميعًا برمحه، وخرج وهو رافعهما، وشهرهما غضبا للّه، فرحمهم اللّه سبحانه و رفع عنهم الوباء.
وكانت له أيضا آثار مع نبي اللّه يوشع بن نون، ولما مات يوشع قام من بعده فينحاس هذا هو وكالأب بن يوفنا، فصار فينحاس إماما وكالأب يحكم بينهم، و كانت الأحداث في بني إسرائيل، فساح إلياس ولبس المسوح و لزم القفار، وقد وعده اللّه عز و جل في التوراة بدوام السلامة، فأوّل ذلك بعضهم بأنه لا يموت، فامتدّ عمره إلى أن ملك يهوشا فاط بن أسا بن افيا بن رحبم بن سليمان بن داود (عليهما السلام) على سبط يهودا في بيت المقدس، وملك أحؤب بن عمري على الأسباط من بني إسرائيل بمدينة شمرون، المعروفة اليوم بنابلس.
إقرأ أيضًا: قصة الخلق ما بين القرآن والتوراة والإنجيل
وساءت سيرة أحؤب حتى زادت في القبح على جميع من مضى قبله من ملوك بني إسرائيل، وكان أشدّهم كفرا وأكثرهم ركونًا للمنكر، بحيث أربى في الشرّ على أبيه وعلى سائر من تقدّمه، وكانت له امرأة يقال لها سيصيال ابنة أشاعل ملك صيدا، أكفر منه بالله، و أشدّ عتوًّا واستكبارًا، فعبدا وثن بعل الذي قال اللّه فيه جلّ ذكره أ تدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين اللّه ربكم وربّ آبائكم الأوّلين، وأقاما له مذبحًا بمدينة شمرون.
فأرسل اللّه عز و جل إلى أحؤب عبده إلياس رسولًا لينهاه عن عبادة وثن بعل، و يأمره بعبادة اللّه تعالى وحده، وذلك قول اللّه عز و جل من قائل: وَ إِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فَكَذَّبُوهُ [الصافات/ ١٢٣- ١٢٦].
ولما يأس من أيمانهم بالله و تركهم عبادة الوثن، أقسم في مخاطبته أحؤب أن لا يكون مطر و لا ندا، ثم تركه. فأمره اللّه سبحانه أن يذهب ناحية الأردن، فمكث هناك مختفيًا، وقد منع اللّه قطر السماء حتى هلكت البهائم وغيرها، فلم يزل إلياس مقيمًا في استتاره إلى أن جف ما كان عنده من الماء، وفي طول إقامته كان اللّه جلّ جلاله يبعث إليه بغربان تحمل له الخبز و اللحم.
إقرأ أيضًا: مصرايم بن حام وسبب تسمية مصر بهذا الاسم| الاسم في التوراة والتاريخ
فلما جف ماؤه الذي كان يشرب منه لامتناع المطر أمره اللّه أن يسير إلى بعض مدائن صيدا، فخرج حتى وافي باب المدينة، فإذا امرأة تحتطب، فسألها ماء يشربه و خبزا يأكله، فأقسمت له أن ما عندها إلّا مثل غرفة دقيق في إناء، و شيء من زيت في جرّة، و أنها تجمع الحطب لتقتات منه هي وابنها، فبشرها الياس عليه السلام، و قال لها لا تجزعي وافعلي ما قلت لك، واعملي لي خبزًا قليلاً قبل أن تعملي لنفسك و لولدك، فإن الدقيق لا يعجز من الإناء، ولا الزيت من الجرّة حتى ينزل المطر.
ففعلت ما أمرها به وأقام عندها، فلم ينقص الدقيق ولا الزيت بعد ذلك إلى أن مات ولدها، وجزعت عليه، فسأل الياس عليه السلام ربه تعالى فأحيي الولد، وأمره اللّه أن يسير إلى أحؤب ملك بني إسرائيل لينزل المطر عند إخباره له بذلك، فسار إليه و قال له: أجمع بني إسرائيل وأبناء بعال. فلما اجتمعوا قال لهم الياس عليه السلام: إلى متى هذا الضلال، إن كان الرب اللّه فاعبدوه، وإن كان بعال هو اللّه فارجعوا بنا إليه، وقال:
ليقرّب كلّ منا قربانا، فأقرّب أنا للّه، وقرّبوا أنتم لبعال، فمن تقبل منه قربانه و نزلت نار من السماء فأكلته، فإلهه الذي يعبد فلما رضوا بذلك، أحضروا ثورين واختاروا أحدهما وذبحوه، وصاروا ينادون عليه يال بعال يال بعال، وإلياس يسخر بهم ويقول: لو رفعتم أصواتكم قليلاً فلعلّ إلهكم نائم أو مشغول، وهم يصرخون ويجرحون أيديهم بالسكاكين، ودماءهم تسيل.
فلما يأسوا من أن تنزل النار وتأكل قربانهم، دعا الياس عليه السلام القوم إلى نفسه، وأقام مذبحًا و ذبح ثوره، وجعله على المذبح و صبّ الماء فوقه ثلاث مرّات، وجعل حول المذبح خندقا محفورًا، فلم يزل يصب الماء فوق اللحم حتى امتلأ الخندق من الماء، وقام يدعو اللّه عزّ اسمه وقال في دعائه: اللهمّ أظهر لهذه الجماعة أنك الربّ، وأني عبدك عامل بأمرك. فأنزل اللّه سبحانه نارًا من السماء أكلت القربان و حجارة المذبح التي كان فوقها اللحم، وجميع الماء الذي صبّ حوله. فسجد القوم أجمعون وقالوا نشهد أن الربّ اللّه.
شاهد أيضًا: فيديو إسرائيلي مترجم يكشف أسرار تعرض للمرة الأولى عن زيارة السادات لإسرائيل
فقال إلياس: خذوا أبناء بعال، فأخذوا وجيء بهم فذبحهم كلهم ذبحًا، وقال لأحؤب انزل وكل واشرب، فإن المطر نازل، فنزل المطر على ما قال، وكان الجهد قد اشتدّ لانقطاع المطر مدّة ثلاث سنين وأشهر، وغزر المطر حتى لم يستطع أحؤب أن ينصرف لكثرته.
فغضبت سيصيال امرأة احؤب لقتل أبناء بعال، وحلفت بآلهتها لتجعلنّ روح الياس عليه السلام عوضهم، ففزع إلياس وخرج إلى المفاوز وقد اغتم غمًا شديدًا، فأرسل اللّه إليه ملكًا معه خبز و لحم و ماء، فأكل وشرب وقوّاه اللّه حتى مكث بعد هذه الأكلة أربعين يومًا لا يأكل و لايشرب.
ثم جاءه الوحي بأن يمضي إلى دمشق، فسار إليها وصحب اليسع بن شابات، ويقال ابن حظور، فصار تلميذ، فخرج من أريحا ومعه اليسع حتى وقف على الأردن، فنزع رداءه ولفه و ضرب به ماء الأردن فافترق الماء عن جانبيه، وصار طريقًا. فقال إلياس حينئذ لليسع اسأل ما شئت قبل أن يحال بيني و بينك. فقال اليسع: أسأل أن يكون روحك فيّ مضاعفا.
فقال: لقد سألت جسيماً، ولكن إن أبصرتني إذا رفعت عنك يكون ما سألت، وإن لم تبصرني لم يكن. وبينما هما يتحدّثان إذ ظهر لهما كالنار، فرّق بينهما ورفع الياس عليه السلام إلى السماء، واليسع ينظره. فانصرف وقام في النبوّة مقام الياس عليه السلام.
هل مات الياس عليه السلام؟
وكان رفع الياس عليه السلام في زمن يهورام بن يهوشافاط، وبين وفاة موسى (عليه السلام) وبين آخر أيام يهورام خمسمائة و سبعون سنة، ومدّة نبوّة موسى (عليه السلام) أربعون سنة، فعلى هذا يكون مدّة عمر الياس عليه السلام من حين ولد بمصر إلى أن رفع بالأردن إلى السماء ستمائة سنة. وبضع سنين، والذي عليه علماء أهل الكتاب و جماعة من علماء المسلمين، أنّ إلياس حيّ لم يمت، إلّا أنهم اختلفوا فيه، فقال بعضهم أنه هو فينحاس كما تقدّم ذكره، ومنع هذا جماعة وقالوا هما اثنان، واللّه أعلم.
These are really impressive ideas in concerning blogging. Dulcea Odie Donnelly
I was able to find good advice from your content.| Victoria Brendis Gurevich