من هو اليهودي في السياسة الإسرائيلية: في كتابه “التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية، وطأة ثلاثة آلاف سنة”، هاجم اليهودي الإسرائيلي إسرائيل شاحاك الدولة اليهودية
يتابع إسرائيل شاحاك بأن مفهوم “يهودي” ومشتقاتها، بما في ذلك “اليهودية”، يصبح في سياق السياسة الإسرائيلية ذا أهمية، كمعنى “إسلام” عندما يستعمل رسميًا في إيران، أو “شيوعي” كما كان يستعمل رسميًا في الاتحاد السوفييتي. إلا أن معنى تعبير “يهودي” كما هو شائع استعماله، ليس واضحًا، لا بالعبرية، ولا عندما يترجم إلى لغات أخرى؛ ولذا وجب تعريفه رسميًا.
وفق القانون الإسرائيلي، يعد الشخص “يهوديًا” إذا كانت أمه يهودية أو جدته لأمه أو جدة أمه يهودية الديانة، أو إذا تحول الشخص إلى اليهودية بأسلوب ترضى عنه السلطات الإسرائيلية، وبشرط ألا يكون هذا الشخص قد تحول عن اليهودية إلى أية ديانة أخرى، لأن السلطات اليهودية لا تعود تعده يهوديًا في هذه الحالة.
تعريف التلمود لليهودي “من هو اليهودي؟”
وبمثل الشرط الأول من الثلاثة ، فإن التعريف التلمودي لـ “من هو اليهودي؟، وهو التعريف الذي تطبقه الأرثوذكسية اليهودية. ويعترف التلمود والقانون الديني اللاحق للتلمود بتحول غير اليهود إلى اليهودية (كما لو اشتري يهودي عبدًا غير يهودي، وطبق اسلوبًا مختلفا للتحول) كأسلوب كي يصبح المرء يهوديا شريطة أن يتم التحول على يد رجال دين مفوضين بذلك، وبالأسلوب الصحيح، وهذا الأسلوب الصحيح، يستلزم بالنسبه للإناث أن يعاينهن ثلاثه من رجال الدين عاريات في “حمام التطهير”. وهذا الطقس المعروف لدى جميع قراء الصحافة العبرية، لا تذكره وسائل الإعلام الإنجليزية، رغم أهميته بالنسبة لبعضهم.
ضرورة تعريف “اليهودي” و “غير اليهودي” رسميًا
هناك ضرورة ملحة لتعريف “اليهودي” و “غير اليهودي” رسميًا، لأن دولة إسرائيل تميز رسميًا لمصلحة اليهود وضد غير اليهود في مجالات عديدة، اعتبر ثلاثة منها الأكثر أهمية: حقوق الإقامة، وحقوق العمل، وحق المساواة أمام القانون.
من هو اليهودي في القانون الإسرائيلي؟
ويقوم التمييز في الإقامة على أساس ملكية الدولة لنسبة 92% من الآراضي تديرها سلطة أرض إسرائيل (فلسطين)، وفق أنظمة أصدرها “الصندوق القومي اليهودي” المتفرع عن المنظمة الصهيونية العالمية. وأنظمة الصندوق القومي اليهودي تنكر حق الإقامة أو التجارة أو حتى العمل على غير اليهودي، لا لشيء إلا لأنه غير يهودي. ولا يحظر في الوقت نفسه على اليهود أن يقيموا أو أن يعملوا في أي مكان في إسرائيل. ولو طُبق هذا الإجراء التمييزي على اليهود في دولة أخرى. لوصف على الفور ومن دون وجه حق بأنه معاد للسامية، ولأثار احتجاجًا شعبيًا جماعيًا، أما عندما تصبح إسرائيل كجزء من أيديولوجيتها اليهودية، فغالبًا ما يبذل جهد كبير لتجاهله، أو تبريره إذا ذُكر.
للمزيد إقرأ أيضًا:
- الفرق بين مصطلح يهودي وإسرائيلي وعبري وصهيوني
- “شتيزل” الحلقة الأولى من المسلسل الإسرائيلي مترجمة إلى العربية
- موشيه ديان اعترف بسرقة الآثار المصرية في سيناء.. صور
إنكار حق العمل يعني أن غير اليهود ممنوعون من العمل في آراضي تديرها سلطة أرض إسرائيل، وفق أنظمة الصندوق القومي اليهودي. ولا شك في أن هذه الأنظمة لا تطبق على الدوام، ولكنها موجودة. وتحاول إسرائيل من وقت لآخر تنظيم حملات لتطبيقها. مثلاً عندما تقرر وزارة الزراعة منع “عدوى” السماح للعمال العرب بجني ثمار البيارات المغروسة في أرض تملكها الدولة، حتى ولو كان هؤلاء العمال من عرب إسرائيل.
كما تمنع إسرائيل منعًا باتًا تأجير اليهود المقيمين على أرض تملكها الدولة، أرضًا للعرب ولو لمدة قصيرة، وتفرض على الذين يفعلون ذلك غرامات باهظة، إلا أن غير اليهود لا يمنعون من تأجير أرضهم لليهود. وهذا يعني بالنسبة لي، أني بحكم كوني يهوديًا، أملك حق استئجار بيارة من يهودي آخر وجني محصولها، ولكن غير اليهودي، سواء كان مواطنًا أو مقيمًا في إسرائيل، لا يملك هذا الحق.
ولا يتمتع المواطنون غير اليهود في إسرائيل بحق المساواة أمام القانون. وهذا التمييز واضح في قوانين إسرائيلية عديدة، لا يرد فيها منعًا للإحراج، تعبير “يهودي” و “غير يهودي” صراحة، كما حصل في قانون العودة، الذي يحق بموجبه للأشخاص المعترف رسميًا بأنهم “يهود” دخول إسرائيل والإقامة فيها، وفور وصولهم تصدر لهم “شهادة هجرة” مع الجنسية، لأنهم “عادوا إلى الوطن القومي اليهودي”، مع ما يترتب على ذلك من المزايا المادية التي تختلف باختلاف البلد التي هاجروا منها.
فاليهود الذين يهاجرون من دول الاتحاد السوفيتي السابق يعطون “منحة استيعاب”، قدرها 20000 دولار لكل عائلة. وجميع اليهود الذين يهاجرون إلى إسرائيل وفق أحكام هذا القانون، يملكون فورًا حق الترشيح والانتخاب للكنيست، حتى ولو لم يستطيعوا نطق كلمة عبرية واحدة.
وتستعيض القوانين الإسرائيلية الأخرى عن ذلك بتعابير أكثر غباءً، مثل: “الذي يستطيع الهجرة وفق قانون العودة”، أو “الذي لا يستطيع الهجرة وفق أحكام قانون العودة”. وبالاعتماد على القانون المعني، تمنح المزايا للفئة الأولى وتحجب عن الفئة الثانية. والوسيلة التقليدية لممارسة التمييز في الحياة اليومية هي بطاقة الهوية، التي يلزم كل فرد بحملها على الدوام. فبطاقة الهوية تذكر قومية الشخص، التي يمكن أن تكون “يهودي” أو “عربي” أو “درزي” وما شابه، من دون أي ذكر لكلمة “إسرائيلي“.
وقد فشلت محاولات إجبار وزارة الداخلية على السماح بوصف الإسرائلييين الراغبين بذلك، أن يوصفوا بتعبير “إسرائيلي” أو :إسرائيلي يهودي”، وتلقى أولئك الذين حاولوا ذلك رسائل من وزارة الداخلية تفيد بأنه “تقرر عدم الاعتراف بقومية إسرائيلية”، دون ذكر من أصدر هذا القرار ومتى.
هناك قوانين وأنظمة عديدة في إسرائيل تميز لمصلحة الشخص المعرف بأنه “الذي يستطيع الهجرة وفق أحكام قانون العودة”، وهذا الموضوع يستدعي معالجة مستقلة، ونستطيع هنا أن نعرض مثلاً واحدًا قد يبدو تافهًا مقارنة مع قيود الإقامة، إلا أنه هام لأنه يكشف مقاصد المشرع الإسرائيلي: المواطنون الإسرائيليون الذين تركوا البلد لبعض الوقت وبإمكانهم “الهجرة وفق أحكام قانون العودة” يمنحون عند عودتهم، تسهيلات جمركية كثيرة، ومعونة لتدريس أولادهم في المدارس الثانوية، ومنحة أو قرضًا بشروط ميشرة لشراء شقة، وبعض المزايا الأخرى، أما الذين لا يعرفون بهذه الصفة، أي غير اليهود في إسرائيل، فلا يحصلون على شيء من هذه المزايا، والقصد الواضح من هذه الإجراءات التمييزية، هو إنقاص عدد غير اليهود في إسرائيل، كي تصبح إسرائيل أكثر “يهودية”.