نسب سيدنا ابراهيم واسمه
تروي التوراة
هذا وتذهب دائرة المعارف البريطانية إلى أن الاسمين “أبرام” و ” أبراهام” أطلقا بمعنيين على شخص واحد، هو إبراهيم، وأن “أبرام” أطلقها الأموريون “أهل بابل” التي هي موطن سيدنا ابراهيم، وأن أبراهام أطلقها الكنعانيون “أهل كنعان” التي سكنها سيدنا ابراهيم بعد ذلك، وأنه يوجد في تلك البلاد أسماء مشابهة تمام المشابهة لهذه التسمية منها “أبارام” و “أبام رامل” و “أباراهام”.
وعلى أية حال، فإن اسم إبراهيم من الأسماء التي تنبئ عن نشأة دينية، لأنه على أرجح معانيه يفيد معاني “حبيب الله”، ولعل التغيير الذي طرأ على اسم أبرام إنما استحدث لكي يفيد معنى “حبيب الله”، بدلاً من “حبيب الإله”، الذي كان يعبده أبوه في معابد الوثنية.
للمزيد إقرأ أيضًا:
- مصرايم بن حام وسبب تسمية مصر بهذا الاسم| الاسم في التوراة والتاريخ
- “شتيزل” الحلقة الأولى من المسلسل الإسرائيلي مترجمة إلى العربية
- إسرائيل عن معركة المنصورة الجوية: احتفل المصريون بهذا الانتصار وكأنهم فازوا باليانصيب لشهر على التوالي
ونقرأ في الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين أنه “أبرام بم تارح بن ناحور بن سروج بن رعو بن شالح بن أرفكشاد بن سام بن نوح”. وأن إبراهيم له أخوان، الأول ناحور، والآخر هاران. وأن هاران قد أنجب لوطًا عليه السلام، ثم مات قبل أبيه في أرض ميلاده ببلادلاف الكلدانيين.
الخلاف حول اسم أبو سيدنا ابراهيم
ويختلف القرآن الكريم عن التوراة في اسم والد الخليل، فقد جاء في سورة الأنعام، أن أباه إنما يدعى آزر، حيث يقول سبحانه وتعالى فى الآية (74): “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ”.
ويبدو أن بعض المفسرين والمؤرخين نظروا إلى التوراة، وكأنها السند الصحيح، ومن ثم فقد حاولوا تأويل الآية الكريمة بما يخرجها عن صريح اللفظ، محاولين بذلك أن يقضوا على التناقض بين ما جاء في القرآن الكريم، وما ذهبت إليه التوراة، ومن ثم فقد ذهب فريق منهم إلى أن “آزر” إنما هو اسم لصنم كان يعبده تارح والد سيدنا ابراهيم، وكان سادنًا له، وهذا قول بعيد عن الصواب من جهة اللغة العربية، وذلك لأن العرب لا تنصب اسمًا بفعل حرف الاستفهام، فلا تقول: أخاك أكلمت؟ وهي تريد: أكلمت أخاك؟.
وهناك فريق آخر إنما يذهب إلى أن كلمة “آزر” كلمة ذم، بمعنى أعرج أو مخطئ أو معوج أو خرف وما إلى ذلك، إلا أن صدور مثل هذا من ابن لأبيه- لاسيما إذا كان الابن نبيًا- شيء يأباه المنطق، فضلاً عن أنه أمر لا يتفق وخلق سيدنا ابراهيم، والذي كان من صفاته الحلم والأدب الجم.
وقد أشار القرآن الكريم في عدة مواضع إلى محاسنته لوالده وبره به، وتوجيهه الدعوة إليه في حكمة واتئاد، فلا يصح في الأذهان بعد هذا أن يخاطب إبراهيم والده مبادئًا بالإهانة، مفاجئًا بالتقريع والعدوان، فيقول: يا خاطئ أو يا خرف أو غير ذلك. أفمن يرد على والده عندما أصر على عبادة الأصنام بقوله: “سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيًا”، يحقر ذلك الوالد بنسبة صفات مهينة إليه.
إن إبراهيم لم يخرج في كل خطوات دعوته ومراحل جهاده عن حدود الإجلال لوالده، والتوقير له والتوسل إلى الله أن يغفر لذلك الوالد، لهذا كله لم يكن العقل ليسيغ تفسير كلمة “آزر” وفق ما ذهب إليه بعض المفسرين من القول بأنها كلمة ذم لوالد إبراهيم، هذا فضلاً عن أن الكلمة نكرة والموصوف معرفة.
ويتردد الأمام الطبري في الاسم، فهي مرة تارح، ومرة أخرى آزر، وإن كان يرجح الرأي الثاني، ويكاد مساق ابن الأثير لا يختلف عن مساق الطبري.
في حين يرى فريق ثالث أن آزر أبو سيدنا ابراهيم عليه السلام هو نفسه تارح، مثل إسرائيل ويعقوب، فيكون له اسمان، أي أن تارح اسم العلم، وآزر وصف له. على أن هناك فريقًا رابعًا يرى أن آزر هو عم الخليل، وليس آباه، إذ لو كان آزر أبا إبراهيم لم يقل سبحانه وتعالى: “لأبيه آزر”، لأن العرب لا تقول: أبا فلان إلا للعم دون الأب الحقيقي، وهذا الاتجاه مردود، لأن ظاهر القرآن يرد عليه، ولاسيما محاورة إبراهيم مع أبيه، ومع ذلك فهناك فريق كبير من العلماء يجمعون، أو يكادون، على أن آزر إنما هو أبو إبراهيم طبقًا لصريح القرآن الكريم.
هذا وقد ذهب المؤرخ المسيحي اليوناني “يوسبيوس”، والذي لقب بـ “أبي التاريخ الكنسي”، وبـ “هيرودوت النصارى”، إلى أن أبا الخليل إنما كان يدعى “آثر”. وزعم بعض الباحثين، ومنهم سنكلر تسد بل أن للاسم أصلاً في الفارسية القديمة بمعنى النار.
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن التوراة تروي الأسماء والأعلام أحيانًا على روايات متعددة، فإذا أضفنا إلى ذلك أن إبراهيم كان قد انحدر إلى أرض كنعان من آشور، واعتقد شراح الكتب الإسرائيلية في غير موضع أن الآباء الأولين إنما كانوا ينسبون إلى بلادهم وأممهم، فإذا كان ذلك كذلك، وإذا نسب إبراهيم إلى آشور، فمن الجائز جدًا أن يكون تارح وآزر لفظين مختلفين لاسم واحد، سواء أكان هذا الاسم علمًا على رجل أو على الجد القديم الذي تنسب إليه أمة آشور، وكثيرًا ما ننسب إلى اسم جد قديم، كما يقال في النسبة إلى عدنان وقحطان.
كما يعقد العقاد بعذ ذلك مقارنة بين بين اسم آشور، والتي تكتب أحيانًا آزور، وبين “آزر”، ويخلص منها إلى أن القول في نسبة إبراهيم إلى آزر بمعنى “أسور” أقرب إلى الصواب، من القول بأن أباه سمى تارحًا من الحزن أو الكسل، وليس عليه دليل من وقائع التاريخ والجغرافية ولا من الاشتقاق.
كما يروي الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة عن جدنا وسيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني، فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك”.
وهكذا يبدو بوضوح أن ما جاء في القرآن الكريم يتفق مع الحديث النبوي، وأن الأدلة العلمية الحقة كلها معه، وأن آزر إنما هو اسم والد أبي الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليه، وأن تأويلات المفسرين والمؤرخين ممن حاولوا ذلك لا داعي لها.
أصل قوم سيدنا ابراهيم
وأما قوم سيدنا ابراهيم عليه السلام، فهناك من يجعلهم من المجموعة الآرامية، التي تزوج منها إسحاق ويعقوب، وسواء أصح هذا أم لا، فإن قوم إبراهيم كانوا قد خرجوا من الجزيرة العربية التي نشئوا فيها كجماعة من الجماعات السامية العديدة، ولعل في تفكير إبراهيم إسكان زوجته هاجر وابنه إسماعيل منها في منطقة مكة المكرمة، هربًا من ضرتها العجوز سارة، لم يكن على الأرجح بمحض الصدفة، ذلك أن الصدفة لم يكن لها محل في تنظيم مثل هذه الخلافات العائلية عند رؤساء العشائر الأقدمين، وإن كان سيدنا ابراهيم قد اختار مكة، فما لا شك فيه أنه شخصيًا كانت له صلات قرابة وصلات حلف وذمة مع سكانها، وإلا لما اختار هذا المكان الفقير البعيد مأوى لزوجته وابنه.
على أننا لا نستطيع أن نوافق على ذلك كله، كما يرى الدكتور بيومي مهران، فإما أن قوم إبراهيم من المجموعة الآرامية، فذلك أمر تتفق عليه آراء كثير من العلماء، فضلاً عن نصوص التوراة نفسها، وإما أن إبراهيم قد أسكن زوجته وولده في هذه المنطقة النائية والقفر كذلك، لأن له صلات قرابة وصلات حلف وذمة بسكانها، فذلك أمر يحتاج إلى إعادة النظر.
لأن إبراهيم قد قام برحلته إلى الحجاز امتثالاً لأمر الله، ورغبة في نشر الإيمان بالله في بيئة جديدة، وفي مناخ جديد، بعد أن قام بذلك في العراق وسوريا ومصر، ثم تمهيدًا للمهمة الكبرى، وهي بناء بيت الله الحرام، وصدق الله العظيم حيث يقول: “وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( البقرة 127).
هذا فضلاً عن أن مكة لم يكن بها سكان قبل إبراهيم، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى: “رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ” (سورة إبراهيم 37).
تاريخ مكة المكرمة
ومن هنا فقد ذهبت آراء إلى أن تاريخ مكة المكرمة إنما يرجع إلى أيام داود عليه السلام (1000- 960 ق. م)، وذهبت آراء أخرى إلى أنه إنما يرجع إلى القرن الأول قبل الميلاد، بينما ذهب فريق ثالث إلى أنه إنما يرجع إلى القرن الثاني الميلادي، بل إن بعض المؤرخين العرب إنما يذهب إلى أن تأسيس مكة المكرمة إنما كان في منتصف القرن الخامس الميلادي.
في حين يرى الدكتور بيومي مهران أن المدينة المقدسة إنما ترجع في سكانها إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر قبل الميلاد، بعد أن أقام فيها الخليل وولده إسماعيل عليهما السلام أول بيت وضع للناس، كما أوضح ذلك في كتابه “دراسات في تاريخ العرب القديم”.
إبراهيم عربيًا وليس يهوديًا
على أية حال، فإن إبراهيم الخليل إنما كان عربيًا خالصًا، من سلالة العرب التي يطلق عليها المؤرخون المسلمون “العرب العاربة”، والتي يرتفع نسبها إلى “سام بن نوح” عليه السلام، كما سوف يكون “أبو العرب الإسماعيلية”، أو المستعربة كما يطلق عليها أحياًنًا، والذين هم ابناء ولده إسماعيل، وهو بهذا جد العرب قبل أن يكون جد اليهود.