لم يكن أكثر أهل الأرض “فجرًا”، و “إلحادًا” يتخيل أن آلات البطش التي طالما سحقت ببشرِِ، أو فجرت بضعيف، أو غدرت بآمن تعجز عن مواجهة عدو لا تراه العين من حقارته!
وحين استوعب أن آساطيله وعدته جميعها أصبحت لا تساوي شيئًا بين غمضة عين وانتباهتها لجأ إلى علمه لاهثًا، فإذا بعلومه تعطلت مبادئها في لمحِِ كالبصر حتى ظن العالم يقينًا أنه لم يكن يعلم من قبل شيئًا!..
فتحولت سخريته توسلاً أن يُعفى عن وجوه ناعمة، أصبحت بين ليلة أو ضحاها جاثية أمام أشباح لا تبقي ولا تذر!
لعلها الطبيعة التي خلقته عبثًا- كما ادعى- غاضبة من إفساد “لوحة” جمالها بدماء لا حرمة لها!.. أم لعلها دعوة مظلوم سُفح دمه مكبولاً في زمهرير صمت لأخوة في دين أو دنيا أداروا عنه محولات قلوبهم قبل قنواتهم!!..
ربما، ولكن لم تضع الحرب أوزارها بعد!!..
والأنفس تُحصد غدوًا وعشيًا بارها قبل فاجرها، فلم تستثني جنود البطش مؤمنًا دون كافر، أو جاهلاً دون عالم، أو فقيرًا دون قادر، فالكل سواء، وعلى الأصوات جميعها اليوم أن تخشع فلم يعد يُسمع إلا همسًا!..
فتوقفت الحروب، ورفعت أيدي البطش، وانشغل كل بمصيره في صراع لم يُحسم بعد لمعركة غير متكافئة بين مخلوق ضعيف، وكوكب بأسره!
يا لها من لحظة في تاريخ العالم كنا نقرؤها، فأصبحت اليوم تُسطر حروفها بين أظهرنا!..
ويبقى من يبقى، ويرحل من يرحل، وسنة الكون كما لو كانت تذكرنا بأنه لا تبديل لها ولا تحويلاً، مهما ظننا أننا قادرون عليها، فالله قادر على إنفاذ أمره فيجعلها حطامًا كأن لم تغن بالأمس أو يغفو ويصفح..
ولعل رحمته تغلب غضبه..
اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم..
بقلم الكاتب والباحث الاقتصادي
د. علي زين العابدين قاسم